قد تسمع عن خسارة من ضحى بجزء من ماله - ولا أقول استثمر - في العملات الإلكترونية، وقد تجد من بدأ يسأل عن إجراءات الإفلاس لأنه افتتح مقهى أو مطعما بالاقتراض ولم ينجح، وغير ذلك من القصص والظواهر والممارسات البعيدة عن التخطيط المالي الجيد والممارسات المنطقية له. ومع أن جميع هؤلاء يشتركون في هدف مشروع وحق لا غبار عليه، إلا أن هناك تحديين في نظري يقللان حظوظ الأفراد في تحقيق هذا الهدف، الأول مرتبط بتصميم الهدف والثاني بأسلوب السعي خلفه.
الهدف المشروع الذي نتحدث عنه هو زيادة مستوى الدخل الفردي، وهذا الهدف ليس ميزة أو حلما خاصا بفئة معينة بل مطلبا أساسيا في التخطيط المالي لكل فرد وكل من يريد أن يقوم بما يجب ليحظى بترتيب حياته بالشكل الذي يحب، تحقيقا للحرية المالية والأهداف الحياتية المختلفة. ولو نظرنا إلى الحياة العملية المنتجة التي تصل في العادة إلى 30 وربما 40 عاما، نجد أنها تنقسم إلى مراحل يتخللها الاندماج والاستمتاع ولا تخلو من التحديات والشقاء. أولى هذه المراحل الإنتاجية هي مرحلة البناء والتأسيس "العشرة أعوام الأولى" التي يتركز فيها بناء المهارات والعلاقات والمشاركة في الإنجازات وصنع عديد من الاختيارات المهمة. والعشرة أعوام العملية الثانية تشكل مرحلة النضج والتجسيد للواقع الذي صنعناه بأيدينا، وبها فسحة كبيرة للقفز في المستوى وربما استكشاف خيارات جديدة، والمرحلة الثالثة هي مرحلة التجهيز للتقاعد، التي يبدأ بها مشاهدة ثمار العمل السابق ولا تخلو هذه المرحلة وما يلحقها من العمل المنتج والعطاء، خصوصا عند من يحسن التخطيط لها.
تكاد تنحصر فرص زيادة مستوى الدخل في ثلاثة مسارات قابلة للتركيز على أحدهم أو دمجهم بأكثر من طريقة: العمل المهني المختص الذي يمكن بيعه على الآخرين في صورة وظيفة وصاحب مهارة مميزة، والاستثمار النشط في نشاط تجاري تقليدي أو مبتكر، والاستثمار المالي المباشر. ولكل من هذه المسارات طرق جيدة وطرق ليست كذلك "ذات مخاطر مرتفعة". فهم هذه المسارات وربطها بالأهداف المالية الأساسية مثل زيادة الدخل شرط أساسي لصياغة تفاصيل هدف زيادة الدخل نفسه. أي إن العمل على هذه المسارات دون تحديد واضح لهدف الشخص من زيادة دخله أو لأي حد يزيد دخله، يجعل الشخص على الأرجح ينخرط في مخاطر لا تتناسب مع قراراته وقدرته على التحمل. تحديد الهدف من زيادة الدخل يقوم على المقدار والزمن، أي زيادة الدخل لأي حد، ومتى يجب أن تحصل الزيادة. وهذا هو التحدي الأول الذي نتحدث عنه، وهو تصميم الهدف بشكل ملائم ومنطقي.
تصور الفرد لخياراته المستقبلية خصوصا بعيدة المدى يساعده على تحديد المستهدف وتوقيت هذا المستهدف، وهذا ما يمكنه من تصميم الهدف بشكل جيد وواضح. وإذا انتهى من تحديد ذلك، سيستطيع حينها - خصوصا لو كان في المرحلة الإنتاجية الأولى، أو في مرحلة التعلم والتأسيس - من معرفة ما ينقصه من إمكانات ومعارف تساعده على تحديد طريقة السعي، وهكذا تأتي معالجة التحدي الثاني الذي نتحدث عنه. ما يحدث في كثير من الأحايين، وجود رغبة في الثراء أو تحقيق عوائد محددة للحصول على المال بشكل سريع وتحقيق ما يظن البعض أنه مدخل السعادة الأسرع. لكن هذا التعجل يجعل دورة البناء والمعالجة مختلة، فيضع الشخص نفسه في مرحلة اتخاذ قرارات مبكرة، أو يتصرف دون أن يتخذ قرارا مدروسا، فينتهي بنتائج مخيبة.
أمثلة الفشل المبكر والمكلف جدا في التخطيط المالي كثيرة، وتجدها في كل المسارات: الوظيفة، والمشروع، والاستثمار. في الوظيفة، يقول المنطق إن فرص الحصول على وظيفة جيدة ممكن، وفرص النمو متاحة للجميع، وقد يضع بعضهم خطة تطوير مساره المهني في المرحلة الإنتاجية التأسيسية الأهم في حياته في وضع السبات ويشغل نفسه بسوق الأسهم أو العملات، أو لا شيء مفيد ربما، ثم يجد نفسه بعد مضي العشرة أعوام الأولى في مرحلة ضعيفة مهنيا. وهناك من يعمل بخطة معاكسة، يكثر من القفزات الوظيفية استعجالا ودون صنع سجل جيد من الخبرة النوعية، وكل هؤلاء يسرعون من انتهاء صلاحيتهم الإنتاجية في وقت مبكر، وبالتالي تفشل في العادة قدرتهم على زيادة مداخيلهم من النمو المهني المتاح على المدى الطويل. وأما أصحاب المشاريع، ومع أننا نشجع على خوض غمارها، إلا أن لها شروطا وأولها التجربة والتعلم والتدرج. إذا عرف الشخص مراحل زيادة مداخيله استطاع أن يحدد الوقت الأفضل للبدء بمشروعه بعد أن يسد الفجوات التي تقلل حظوظه. ومثل ذلك الاستثمار المتعجل، ستجد كثيرا ممن يضع كل ما يجمع في سوق الأسهم وربما في العملات الإلكترونية والمعادن، وربما اقترض بعضهم للقيام بذلك، ولم يعرف أن واجبه في زيادة الدخل من المسارات الأخرى متطلب أولى قبل زيادة الدخل من الاستثمار، وهناك من تعجل واختار من الاستثمار ما يتعارض مع ما يتحمل من مخاطر، فوقع في المحظور، وندم.
الواقع اليوم أكثر تعقيدا من قبل: تحديات اقتصادية مختلفة، ومتطلبات معرفية ومهارية متجددة، وعالم يعج بالخيارات الجيدة والسيئة. البدء في أي خطوة ليس أمرا صعبا، والتجربة والتحرك والسعي متطلب أساسي للرزق والبركة. لكن بعد النظر هو الإطار الذي ينبغي الاستناد إليه لتحديد الخطة المالية الشخصية، ومن ذلك، تصميم الأهداف المستقبلية لزيادة الدخل على مراحل، ودراسة الخيارات الممكنة لذلك والتعامل معها بما تتطلبه من معرفة وحنكة. المخاطرة بالمستقبل المالي لا تكون فقط باستثمار سيئ ومتأخر، لكن بالبدء بالطريقة الخاطئة والمهارة الضعيفة.