محمد سليمان العنقري
هذه النسبة من التراجع تحققت حتى إقفال الخميس الماضي وهو اتجاه خالف حركة أسواق المنطقة التي صعدت أغلبها لمستويات جديدة، بل عند القياس مع الأسواق المنضمة لمؤشر مورجان ستانلي للأسواق الناشئة، فجميعها حققت ارتفاعات كبيرة انعكست بالمؤشر نفسه الذي تجاوز ارتفاعه هذا العام 20 في المائة بينما سوق الأسهم السعودي انخفض بنسبة كبيرة منذ بداية هذا العام عند 13,18 في المائة حتى آخر إقفال، كما فقد من قيمته السوقية ما يفرق 1,1 تريليون ريال ما بين أعلى وأدنى قيمة سوقية حتى الآن لهذا العام.
وعلى الرغم من طرح عديد من الأسباب المحتملة لتراجع مؤشر سوق الأسهم السعودي في وسائل الإعلام والتقارير التي تصدرها المؤسسات المالية إلا أن المتعاملين في السوق يرون أن هذه المبررات لتفسير ما يحدث من تراجع غير مقنعة، لأن جلها عوامل اشتركت بها كل الأسواق العالمية سواء من أثر الرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضت في أبريل الماضي على كل دول العالم أو ارتفاع سعر الفائدة وكذلك تراجع أسعار النفط أو الأحداث الجيوسياسية وكذلك الميل نحو التحوط بالذهب وغيرها من أدوات الدين المنخفضة المخاطرة وحتى كثافة الاكتتابات محليا أيضا افترض البعض أنه عامل مهم بالتراجعات الأخيرة إلا أن الأسواق المالية استمرت بالارتفاع وحققت مستويات قياسية جديدة تاريخيا.
فالسوق السعودي يتمتع بكل مقومات الجاذبية للاستثمار فيه بداية من قوة الاقتصاد الوطني وتوقعات النمو المستمر به لأعوام طويلة قادمة ونجاح رؤية 2030 بتحقيق أغلب مستهدفاتها بوقت قياسي إضافة لتطور السوق من حيث التنظيم والتشريعات وزيادة عدد القطاعات والشركات المدرجة وغير ذلك من المحفزات الإيجابية إلا أن كل ذلك لم ينعكس في السوق كحال جل الأسواق العالمية والإقليمية من حيث الارتفاع، بل كان الأكثر هبوطا بينها.
ورغم أن ذلك الاتجاه الهابط يعد محيرا للمستثمرين والمتداولين اليوميين لكن من المهم البحث في أسباب ذلك بعيدا عن كل المؤثرات المؤقتة التي تعترض الأسواق، فاذا كان هناك خلل مزمن تكون العوامل المؤثرة المؤقتة غير مقنعة باستدامة أثرها، إذ يمكن تجاوزها كما حدث في الأسواق المالية العالمية، بينما يتسبب وجود خلل مستدام باستمرار حالة التقلب الشديدة في السوق ويكون هو السبب الحقيقي في تباين الأداء وضعفه في مراحل يفترض أن يكون السوق قويا في حجم سيولته وصعوده الذي يتناسب مع التوقعات المستقبلية استثماريا.
فالسوق شهد زيادة الفئات المستثمرة فيه من أفراد ومؤسسات محلية وأجنبية والتوجه لإضافة فئات من المستثمرين الآخرين من الخارج وكذلك هيكلة قطاعات السوق وزيادة عدد الشركات لأكثر من 240 شركة ووجود سوق للشركات الصغيرة وإصدار عشرات الأنظمة والإجراءات منذ تأسيس هيئة السوق المالية قبل أكثر من عشرين عاما وكذلك الدور التنظيمي لمدير السوق شركة تداول وعديد من التطورات الإيجابية بقصد وصوله ليكون من أهم الأسواق عالميا لكن يبقى المستثمر عينه على اتجاه الأداء ومقارنته بما يحدث في الأسواق العالمية.
فالسوق قد يحتاج لتركز أكبر في دراسة معوقات جذب السيولة فهي عمق السوق الحقيقي وبإمكان السوق المالي أن تكون أكبر وأهم ممول للاقتصاد الوطني في ظل زخم المشاريع التنموية على مستوى كافة المناطق بقطاعات عديدة فالسيولة العالمية ضخمة والفائدة تتراجع والفرص الاستثمارية في الاقتصاد الوطني كبيرة ومتنوعة ويمكن للسوق المالية أن تكون الممر الأمن والأيسر والأسهل لهذه الاستثمارات مما يعني أن العوامل التي تجعل توازن تأثير الفئات الاستثمارية في السوق هي ما يجب العمل عليها من خلال التوسع بالمشتقات المالية وفتح نسب التذبذب لحركة الأسعار وتغيير آلية الاكتتابات عن المتبع حاليا مثل بناء سجل الأوامر وكذلك رفع الحد الأدنى لطرح أي شركة لأكثر من 50 في المائة بدلا من 30 في المائة الحالية وذلك للشركات المتوسطة والصغيرة. أما الشركات الكبيرة فتوضع لها آلية مناسبة لحجم الطرح إضافة لزيادة المعروض من الشركات الكبيرة المدرجة حاليا في السوق عبر عمليات تخارج منظمة ودورية لرفع جاذبية دخول سيولة أكبر وتوازن في أثر الشركات الكبرى المدرجة على حركة المؤشر وكذلك غيرها من إجراءات الحوكمة الضرورية التي اتضح أهمية وجودها خصوصا مع ظهور خلافات وتساؤلات حول وجود المصالح للملاك المؤسسين وأعضاء مجالس الإدارات بالعقود التي تطرحها الشركات المتوسطة وما دون في تنفيذ أعمالها.
السوق المالي السعودي قناة استثمارية رئيسة بالاقتصاد الوطني ولا تحتاج لمن يشرح ويفصل في أهمية دوره التنموي والاستثماري خصوصا أن صناعة أسواق المال عالميا تطورت بشكل لافت ودخلت بها تقنيات تداول معقدة زادت من الإقبال عليها مما يعني أن فرصة تعظيم دور السوق في تمويل الاقتصاد كبيرة جدا ويمكن بإعادة دراسة بعض الجوانب بإستراتيجية السوق ودوره المستقبلي الوصول للمستهدفات الرئيسة في تنمية الدور التمويلي والاستثماري للسوق المالية السعودية.
















التعليقات