تشهد ليبيا فصلاً جديداً من الصراع بين حكومتين نتيجة التعثر في الانتقال الديمقراطي الحقيقي إلى دولة قانون، فما حدث في طرابلس جاء ليؤشر إلى أن وضعاً في هذا البلد غير قابل للحل، فسيادة عقيدة العنف نتيجة حالة من الاحتراب والصراع الحاد على السلطة تذكي الفُرقة والخلاف وتعيد كل الجهود المبذولة والمكتسبات المحققة إلى الوراء، فالليبيون أصبحوا لا يجيدون الخروج من أي أزمة إلا بصناعة أزمة أخرى أكبر منها وأكثر تعقيداً، علماً أن العواصف التي غيبت وأخفت ليبيا قائمة على أساس صراعات وتوجهات لا علاقة لها بالوطن.

النخب السياسية تتجاهل للأسف التحديات الحقيقية والخطيرة التي تواجه الليبيين وتستهين بمعاناتهم، ليتقدّم الانقسام والاقتتال على فرص الحوار بعد فشل تنفيذ الاستحقاق الانتخابي طبقاً لخريطة طريق الأمم المتحدة، فهم المسؤولون عما يعانيه الشعب الليبي من نزوح وركوب قوارب الموت بحثاً عن بلد آمن ما يجعل البلد على شفير انفجار اجتماعي وانفلات أمني.

ولا شك في أن الوضع المركب والمعقد الذي آلت إليه ليبيا هو نتيجة الآمال الكاذبة والوعود الجوفاء، وتغذية الجماعات المسلحة بالأحقاد والسلاح، فالميليشيات التي ما زالت تستمد قوتها من ضعف الدولة وضعف مؤسساتها، فاحتمالات تفجر النزاعات المسلحة، قائمة في ظل الانسداد السياسي ومحاولة إبعاد الليبيين عن جوهر الحل الكامن في إرساء دولة القانون لِما يحاك للبلاد من إجراءات تعمل على رسم خريطة جديدة للدولة الليبية، فليبيا تقف أمام خيارين لا ثالث لها إما بناء الدولة الليبية الواحدة الموحدة، وإشراك الجميع في الجهد الوطني السلمي لتتحرر من هيمنة المتدخلين في شأنها، وإما العودة إلى الوراء والدخول في حرب أهلية، علماً أن الوقت يضيع والفرص تتقلص.