عندما نتحدث عن التحالف السعودي - الأميركي فسنعود بالتأكيد إلى العام 1945م واللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- والرئيس الأميركي روزفلت، وكيف وثق ذلك اللقاء مرحلة استراتيجية مهمة صنعت ملامح الشرق الأوسط بأكمله، وتبنت فيه السعودية موقفها التاريخي من القضية الفلسطينية، وعبر الزمن ونحن نقترب من الاحتفال بحلول العقد الثامن من هذه الاتفاقية لا يمكن لأحد القول سوى أن التحالف السعودي - الأميركي نجح بامتياز في تخطي العقبات الكبرى التي صُنعت في طريقه عبر مراحل مختلفة من الزمن.

اليوم نحن في القرن الحادي والعشرين والتجربة الأميركية في الشرق الأوسط تطرح أمامنا أسئلة مهمة حول المستقبل، وقد ارتكبت الإدارات الأميركية المتعاقبة خطأً استراتيجياً بالترويج لفكرة أن أميركا لم تعد راغبة في الاستمرار في الوجود في الشرق الأوسط وخاصة في عهد كل من الرؤساء: أوباما وترمب وبايدن، مع أن الأخير حاول مراراً وعبر القنوات الدبلوماسية أن يقول لحلفاء أميركا في الشرق الأوسط أنه لن يتخلى عن المنطقة ولن يترك إيران تتمدد في المنطقة وتمارس توسعها العدواني، وقد كان التحدي الأكبر أن بايدن لم يخبر أحداً بالوسيلة التي سوف يثبت فيها وعوده للمنطقة وحلفاء أميركا لذلك أصبح التفكير السياسي الاستراتيجي في المنطقة مفتوحاً على كل الاحتمالات.

وبقيت الأسئلة المهمة والمباشرة حول قدرة أميركا على أن تتعامل مع حالة التقدم التي حققتها إيران في مشروعها النووي أثناء انقطاعها عن الالتزام بخطة العمل المشتركة مع أميركا بعدما اتخذ ترمب قراره الشهير بالخروج من الخطة، وهذا ما جعل من التعامل مع إيران عملية تتطلب جهداً استراتيجياً أميركيًا مختلفاً، فالأزمة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط هي عبء دولي، فعلاقات إيران مع الصين وروسيا كلها تعقد الموقف الأميركي الذي سوف يظل حتى آخر منعطف سياسي أميركي، الرئيس بايدن بحاجة ماسة إلى تكريس وبلورة العمل مع حلفاء مهمين في الشرق الأوسط وستكون المملكة على رأس هؤلاء بالتأكيد.

أميركا بايدن وبطريقة مثيرة للأسئلة مازالت تشعر أنه بإمكانها أن تمسك بكل خيوط اللعبة في المنطقة بينما ساهمت الحرب الروسية - الأوكرانية وجائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الدولية القادمة في نمو أسئلة كبرى لم يتم طرحها منذ الحرب العالمية الثانية حول هذه الفكرة، هناك رغبة أميركية في إنهاء الحروب في المنطقة عبر ممارسة الضغط وتفعيل مسار مستحدث لتحقيق السلام، ولكن المنطقة بتاريخها لا يمكن أن تسمح بنشوء مسار لحل الأزمات الحديثة دون أن تشترك معها الأزمات التاريخية التقليدية، بلغة أكثر وضوحاً، المنطقة لا يمكن تجزئة مشكلاتها؛ فهي إما أن تحل جميعها أو ستبقى المنطقة كما هي، فلا يمكن فصل القضية الفلسطينية على سبيل المثال عن قضايا التطبيع، ولا فصل القضية الإيرانية عن الحرب في اليمن، لذلك ففكرة تجزئة مشكلات الشرق الأوسط على الطريقة الأميركية تفتح أسئلة التحالفات الدولية مع المنافسين.

الرغبة الأميركية للحد من العلاقات الروسية - الصينة مع دول المنطقة سوف تخضع لمعادلة سياسية متشابكة فيما يخص مشكلات الشرق الأوسط، وتخلي أميركا عن مسار واحد من مسارات الشرق الأوسط ولو كان مزمناً كالقضية الفلسطينية أو قضية النووي الإيراني سيعرض المنطقة إلى الاستجابة لإعادة التوازنات الدولية وفتح مجال التأثير لآخرين، أميركا تبحث عن أسئلة التحالفات الدولية لتحدد اتجاهاتها بما يخدم مصالحها، ولكن رحم الشرق الأوسط لم يعد كما كان، فهناك أكثر من مولود محتمل من رحم الشرق الأوسط الذي سوف يحدد بلا شك هوية النظام العالمي وملامحه نظراً لأن المنطقة أثبتت تاريخياً أنها حاسمة في تحديد من يصنع التاريخ.

المسار السياسي السعودي -بحسب تصريحات مسؤوليه- لا يبحث عن حل سحري لكل شيء، ولا يتطلع إلى قلب المعادلة وابتداعات جديدة في سياسات الشرق الأوسط، فالتاريخ السعودي ملتزم بتحالفاته الدولية ومعاهداته، والسياسة السعودية خلال السنوات الماضية أثبتت أنها لا تغامر أو تتبنى التصرفات الطارئة، وهكذا هي الدول التاريخية المتوازنة، وقد أثبتت التجربة السعودية نجاح تحالفاتها وخاصة مع أميركا عبر عقود كبرى مع إدراكها أنها ركيزة في الترس الدولي، فمكانتها السياسية والإسلامية والاقتصادية والجغرافية تمنحها الفرصة في توجيه بوصلة التحالفات الدولية بل حتى صناعتها، ويمكن لأميركا اليوم أن تستمع إلى التجربة السعودية في صناعة التحالفات ضمن أطر واتفاقات، فالسعودية اليوم لديها عبدالعزيز جديد فهل لدى أميركا روزفلت آخر، يمكن لهما أن يستفيدا من التجربة التاريخية لصناعة وصياغة تحالف تاريخي جديد يستجيب لمتطلبات المرحلة بأكملها وفق حسابات تؤمن بالتجربة السياسية السعودية خلال أكثر من قرن من عمرها الزمني.