رَصد مؤشر الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة الـ(فاو)، تراجع في المؤشر بمقدار 1.2 نقاط (0.8%) في شهر أبريل الماضي عن المستوى الأعلى له على الإطلاق الذي وصل إليه في الشهر الذي سبقه (مارس)، رغم أنه ما زال أعلى بمقدار 36.4 نقاط (29.8%) من قيمته خلال الشهر نفسه (أبريل) من العام الماضي.

وكما هو واضح أن شبح ارتفاع أسعار المواد الغذائية بدء يخيم على العالم منذ التأكد من اكتشاف أولى حالات فيروس كورونا المستجد في شهر يناير 2020 بمدينة ووهان الصينية، وانتشار الوباء بشكلٍ لافت في نفس العام ببقية دول العالم، وإجبارها على الإغلاق إما الكامل أو الجزئي تبعاً لقوة انتشار الفيروس من جهة، ومدى القدرة على السيطرة عليه واحتوائه من جهة أخرى.

إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال جائحة فيروس كورونا ارتبط إلى حد كبير بأحد أبرز تداعيات الجائحة التي تسببت في حدوث اختلالات بسلاسل الإمداد والتي تسببت هي الأخرى في صعوبة تدفق السلع والخدمات بشكلٍ سلس وسهل، وذلك إما نتيجة لتعليق عمل معظم وسائل النقل العالمية وإصابتها بشلل تام، أم بسبب تحفظ عدد من دول العالم بتصدير منتجاتها، وبالذات الغذائية لدول العالم بحجة أن مواطنيها ورعياها والوطن عموماً أولى وأحق بتغطية احتياجاته من السلع الأساسية والضرورية عن غيره وبالذات في أوقات الأزمات. الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة وتداعياتها وكما يقول المثل المشهور "زاد الطين بِلَّة" من حيث تفاقم مشكلة النقص في الغذاء العالمي والارتباك في سلاسل الامداد، والذي عادة ما يصاحبه ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، وبالذات بالنسبة للسلع الأساسية. ومن بين الأسباب كذلك التي فاقمت من مشكلات توفر السلع والخدمات بأسعار معقولة في متناول جميع مستويات الدخول، وبالذات مستويات الدخول المحدودة والمنخفضة، موجة التضخم التي اجتاحت معظم دول العالم وتسببت في ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وبالذات أسعار الغذاء، سيما وأن بعض دول العالم قد دخلت في نفق ما يعرف بالتضخم المتسارع، الذي عادة ما تزيد فيه نسبة التضخم عن نسبة التضخم المعقولة والمقبولة اقتصادياً والتي هي بحدود 2% لتصل إلى أعلى من ذلك ما بين 3 و 10%.

الوضع في المملكة العربية السعودية ما زال مطمئناً للغاية ولله الحمد، بسبب ما تبذله الحكومة من جهود كبيرة جداً وملحوظة في تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين والمقيمين على حدٍ سواء، وبالذات بالنسبة للمواد الغذائية، والتي تعتبر من بين أهم الاحتياجات الضرورية والأساسية للإنسان فجميع الأزمنة والأوقات، وبالذات في أوقات الأزمات. ولقد أثبتت الحكومة السعودية في ذلك قدرة عالية وكفاءة فائقة في تعاملها مع مختلف الأزمات العالمية التي تسببت في نقص السلع والخدمات العالمية على وجه العموم والمواد الغذائية على وجه الخصوص، ولعل خير شاهد على ذلك تعامل المملكة الأخير مع أزمة جائحة كورونا وما تسببت فيه من حدوث خلل كبير في سلاسل الإمداد وارتفاع لافت في أسعار الشحن العالمية، إلا أنه وعلى الرغم ذلك لم يلمس المستهلك في السعودية أي نقصاً أو شحاً يذكر في وفرة كافة السلع والخدمات، بما في ذلك المواد الغذائية.

وعلى صعيدٍ آخر قد تَمكنت المملكة من التحكم في مستوى التضخم بإبقاء معدل التضخم في حدود معقولة ومقبولة اقتصادياً عند مستوى 2.3% خلال شهر فبراير الماضي، في حين على سبيل المثال لا الحصر: قفز معدل التضخم في منطقة اليورو إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 7.5% خلال شهر مارس الماضي.

إن التحكم في مستوى الأسعار وارتفاعها، بما في ذلك التحكم في مستوى أو معدل التضخم، تُعد مسؤولية مشتركة، تتشاطرها أطراف عديدة؛ من بينها أجهزة الدولة المعنية برسم السياسة النقدية المناسبة الكفيلة بكبح جماح التضخم، وكذلك الرقابة على الأسواق وأيضاً التجار وبما في ذلك المستهلكين النهائيين، الذين برأيي هم أيضاً مسؤولين مسؤولية مباشرة عن الترشيد في المأكل والمشرب، سيما وأن الإسراف في الغذاء سيتسبب عاجلاً أم آجلاً في ارتفاع الأسعار، وبالذات إذا صاحب ذلك كميات كبيرة من الهدر وكما هو وللأسف الشديد واقع الحال في المملكة، حيث قد بلغ حجم الهدر الغذائي في السعودية حوالي أربعة ملايين و66 ألف طن سنويا، بقيمة إنفاق قاربت 40 مليارا و480 مليون ريال سنويا.

ومن باب الشيء بالشيء يذكر ويشكر في نفس الوقت، أن الحكومة السعودية تبذل جهوداً حثيثة في مجال تحقيق الأمن الغذائي، على الرغم مما تواجهه من تحديات كبيرة لبناء منظومة غذائية متكاملة ومستدامة، بسبب التصحر والمناخ الجاف شديد الحرارة وندرة المياه. ولكن وعلى الرغم من ذلك، فقد اتخذت المملكة عدداً من الخطوات للعمل على بناء منظومة غذائية وطنية فعالة ركزت على تأسيس قطاع زراعي مستدام يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

ومن بين الجهود الحكومية كذلك المرتبطة بتحقيق الأمن الغذائي، العمل على تحسين نظام الاستهلاك وتقليل الهدر بنسبة 50% بحلول عام 2030، إضافة إلى تبني الحكومة لاستراتيجيات تَعمل على دعم الزراعة المستدامة والاستثمار الزراعي في الخارج، ليشمل ذلك تبني العديد من النظم والابتكارات التي ساهمت في رفع الكفاءة التشغيلية والإنتاجية للنظم الغذائية والزراعية في المملكة، إضافة إلى إطلاق برامج طموحة لدعم تمكين الشباب والنساء في العمل الزراعي.

تحفظي الوحيد في مجال تحقيق الأمن الغذائي، عدم التوسع في الاستثمار الزراعي بالخارج، باعتباره محفوف بالعديد بالمخاطر، من بين أهمها وأبرزها؛ مَنع الدولة المستضيفة للاستثمار الأجنبي التصدير في وقت الأزمات، إضافة إلى المخاطر الجيوسياسية ومخاطر التصدير الأخرى المرتبطة بتقلبات أسعار الصرف وحرية حركة الأموال، وإلى غير ذلك من المخاطر. كما أتطلع إلى بذل المزيد من الجهود المرتبطة بتوطين سلاسل الإمداد والتحسين من مستوى سلاسل القيمة.