زعيم عربي قال لمسؤول سعودي ذات يوم «لا تصدقونا في هجومنا عليكم وعلى علاقاتكم بالولايات المتحدة الأمريكية، ما نفعله هو جزء من خطابنا الداخلي الشعبوي، ابقوا كما أنتم ولا تنساقوا وراءنا».

كان ذلك رأيا حصيفا، لكنه لا يغيّر في واقع حال العلاقات العربية مع الرياض، فقد بقيت الاتهامات للرياض هي السمة البارزة والقاسم المشترك في معظم خطابات قيادات سياسية وثقافية عربية طوال سبعين عاما وأكثر.

تُهاجم السعودية ليل نهار لأنها غنية بحكمتها وصبرها ومواردها، وتُهاجم إذا زادت أسعار النفط، وتُهاجم إذا هبطت أسعار النفط، وتُهاجم إذا حارب العرب، وتُهاجم إذا لم يحاربوا، إذا حدثت بلدها اتهمت وإذا انكفأت شوهت، تتهم بالتفريط في المصالح العربية لأن لها علاقات جيدة مع الغرب، خصوصا بريطانيا وأمريكا، وإذا برزت خلافات سعودية غربية اصطف نفس العرب مع الغرب.

في الحرب العالمية الثانية أيّد معظم «العربان» الطرف الخاسر وهي دول المحور ألمانيا وإيطاليا. الرياض بعيدة النظر وقفت بذكاء مع التحالف الغربي الذي انتصر وعلى رأسه الولايات المتحدة وبريطانيا. الرياض لم تكن تضرب الودع لكن ذكاءها السياسي أعطاها مؤشرات لمن الغلبة، فهل ذنبها أن اتخذت صف الطرف الرابح والكثير من العرب اصطف بجانب هتلر.

ذلك أثمر عن علاقات ممتازة امتدت لليوم، فقد كانت الرياض أول دولة يجتمع معها الزعيمان المنتصران تشرشل وروزفلت ليشكلا ملامح العالم الجديد بعد الحرب، ولتصبح السعودية جزءا من المنتصرين لا ضحية للأقوياء.

لطالما كانت الرياض منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبدالرحمن سيدة قراراتها وخياراتها تقف على مسافة من الغرب فلا هي الدولة المنبطحة ولا هي الدولة المعادية، لهم مصالحهم ولها مصالحها، وبالرغم من زعم كثير من العرب أن الرياض دولة دُعِمَت من الإنجليز عند تأسيسها، لكن الرياض بقيت مستقلة فلم تمنح لأحد مميزات خاصة - كما يفترض بين داعم ومدعوم - ولم تقبل أن تكون تحت الانتداب البريطاني مثل بعض الدول في المنطقة، بل وثقت علاقاتها مع امريكا والآخرين وفق مصالحها.

النظرة إلى العلاقة مع الأمريكان حكمتها طبيعة الأمريكان غير المتطلبة مثل الإنجليز، والإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ اللقاء الشهير بين روزفلت والملك عبد العزيز احترمت السعوديين وخياراتهم، وبلا شك تقاطعوا في ملفات عديدة وعذر بعضهم بعضا في غيرها.

منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة والسياسة السعودية تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية:

أولا: لا تسمح بالتدخل في شأنها الداخلي لكائن من كان (علاقات الرياض بكندا وألمانيا على سبيل المثال تأثرت بشدة بسبب ذلك).

ثانيا: البعد العربي، فالدعم للشعوب والدول العربية خاصة قضايا الاستقلال في تونس والجزائر ومصر وسوريا والمغرب التي خاضها العرب في الخمسينات وحتى السبعينات، إضافة إلى حرب العراق مع إيران، لقد أثبت ذلك رجولة وقيم السعوديين.

ثالثا: الصراع العربي الإسرائيلي، وتجلى ذلك واضحا في دعم الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين والمصريين والسوريين لاسترداد أراضيهم.

كل تلك المواقف لم تكن مهادنة للغرب ولا تنفيذا لأجنداتهم، وما فعلته الرياض في حرب 73 بقطع النفط عن الغرب كان تحديا كبيرا ورفعا لسقف الاختلاف واستجابة للمصالح العليا لها ولفضائها العربي، وما فعلته في 73 كررته مرات أخرى في رفضها للحروب والتدخلات الغربية في أفغانستان والعراق وليبيا ومصر.

اليوم ومع انهيار منظومة السلام الدولية بين الغرب وروسيا يثبت السعوديون مجددا استقلاليتهم، ومع ذلك فإن العرب الذين يتهمون الرياض بالتبعية للغرب، هم نفسهم من ينتقدون الرياض لأنها تقف مع قرارها المستقل ولا تنبطح للخيارات الأمريكية. إنه قدر من يتخذ من الميكرفونات خيارا للبطولات الصوتية، ومن يتخذ الأفعال خيارا في تعاملاته وعلاقاته وهم هنا السعوديون.