كشفت صحيفة «وول ستريت» الأمريكية عن تصدعات بدأت بالظهور في جبهة الدول الغربية التي تواجه روسيا، مع تزايد الانقسام بين حلفاء أمريكا الأوروبيين في ما يتعلق بمواصلة شحن مزيد من الأسلحة القوية لأوكرانيا، حيث يخشى البعض احتمالية أن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد الحرب وزيادة تداعياتها الاقتصادية. الصحيفة كما ينقل موقع «almajd» لفتت إلى أنه يأتى في قلب هذا الخلاف، تبابن التصورات حول التهديد طويل الأجل الذي تشكله روسيا، وما إذا كانت أوكرانيا قادرة على تحقيق الانتصار في قلب المعركة. هذا الخلاف تقوده كتلتان، الأولى تقودها فرنسا وألمانيا، وتتزايد ممانعة حول إمداد أوكرانيا بنوعية الأسلحة الهجومية طويلة المدى، التي يمكن أن تحتاجها لاستعادة الأراضي التي خسرتها أمام الجيش الروسي في جنوب وشرق البلاد. على الجانب الآخر، ترى واشنطن ولندن ومجموعة تتشكل في الأساس من دول شمال ووسط أوروبا التي كان بعضها جزءًا من الاتحاد السوفييتي سابقا، أن الهجوم الروسي يشكل نذيرًا من التوسع من جانب موسكو، ما يجعل من أوكرانيا الجبهة الأمامية في حرب أوسع تضع روسيا في مواجهة الغرب. ارتفعت أصوات هذه الخلافات بين المجموعتين علنًا، ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤلين أوروبيين - لم تذكر أسماءهم - قولهم إن هذه الخلافات كانت تتشكل خلال الأسابيع الأخيرة، مع خسارة أوكرانيا أراضٍ في منطقة دومباس. تشير الصحيفة إلى أنه بينما استطاعت الحكومة الأوروبية الاتفاق بصورة جماعية حول تدابير عزل اقتصاد روسيا، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل ذلك، وضمن ذلك حظر غالبية مبيعات النفط الخام الروسي إلى أوروبا، إلا أن الرأي يبدو منقسمًا بشدة حول رهانات الحرب وفرص أوكرانيا. البيانات العامة التي أدلى بها قادة فرنسا وألمانيا والتعليقات الواردة على ألسنة المسؤولين الحكوميين لهذه البلاد، تشير إلى الشكوك التي تنتابهم من قدرة كييف على طرد الروس، وطالبوا بالتفاوض لوقف الأعمال العدائية، مما أثار شكاوى من أوكرانيا من أنها تتعرض لضغوطات كي تقدم تنازلات عن أراضيها.

على الجهة الأخرى، يجادل القادة في دول البلطيق وبولندا ودول أخرى، بأن إمداد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة المتطورة يحمل أهمية كبيرة لعكس أتجاه التقدم الروسي وتوجيه ضربة إلى وجه موسكو تردع الرئيس بوتن عن أي تحرك عسكري في المستقبل. كان تدفق ملايين اللاجئين الأوكرانيين إلى هذه البلاد قد تسبب في استشعار المواطنين العادين أثر الحرب عن كثب، في حين أن ألمانيا والنمساء وإيطاليا تستشعر الصراع بصفة أساسية عبر ارتفاع أسعار الطاقة. الصحيفة نقلت عن مسؤول تشيكي (لم تسميه)، قوله: «في مكالمة هاتفية، يزداد غضب الوزراء من شمال ووسط أوروبا. هذا يدمر الوحدة. إنه تحديدا ما يريده بوتين وما يمنحه أياه الفرنسيون والألمان». في مؤشر رمزي أيضًا على الخلاف، فإنه عكس ما فعله قادة بريطانيا وبولندا ودول البلطيق وقادة عديد من دول وسط أوروبا، لم يزر قادة فرنسا وألمانيا كييف حتى الٱن، فضلًا عن أن المستشار الألماني، أولاف سولتز، حذر مرارًا من أن الصراع يمكن أن يؤدي إلى حرب عالمية وإبادة نووية. داخل ألمانيا، يدعم نحو 70% من الألمان السياسية الحذرة التي يتبعها سولتز، وذلك وفقًا لاستبانة Forsa في مايو الماضي، وأوضح الاستطلاع أن 46% من الألمان يخشون أن يرفع إيصال الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا مخاطر انتشار الحرب خارج أوكرانيا، وأظهرت استبانات أخرى في إيطاليا وفرنسا شكوكًا مماثلة. من جانبهم، يرفض المسؤولون الفرنسيون والألمان الاتهامات بأنهم لا يقدمون إلا القليل أو أنهم يضغطون على الرئيس الأوكراني زيلينسكي لتقديم تنازلات.

ومن الواضح أن تحذير المستشارة السابقة لمنسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بأن الاتحاد الأوروبي قد يواجه حالة من التفكك في حال استمرار الحرب في أوكرانيا، ينم عن مخاوف من تداعيات الحرب الأمنية والاقتصادية على وحدة الاتحاد. وحول هذا الأمر قالت: «إذا علقنا في مشكلة النفط، واستمرت الحرب دون فائز ولا خاسر، فإنه يمكننا أن نرى سيناريو تبدأ فيه وحدة الاتحاد الأوروبي بالتلاشي». في حين نوهت ناتالي توتشي، والتي تشغل حاليًا منصب مديرة معهد روما للشؤون الدولية، إلى وجود مشكلة أخرى تتمثل في انقلاب في الرأي العام، وقالت: «كلما استمرت الحرب، زاد عدم استعداد المجتمعات الأوروبية لتحمل آلام العقوبات، وهذا يبطئ من زخم العقوبات». وبحسب بعض التقاربر، تأتي تصريحات توشتي على خلفية وجود حالة من الإحباط الشديد التي يشعر بها المسؤولون الغربيون بسبب ما بمكن وصفه بـ«الشلل» الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي في مجال تطبيق العقوبات ضد روسيا، بحسب «بلومبرج» نوهت الوكالة إلى أن الدول الأعضاء «فشلت في الوفاء بوعدها» بضرب الاقتصاد الروسي، خصوصًا قطاع «صناعة الطاقة المربحة». وبينت الوكالة أن التركيز كان سابقا على حالة واحدة فقط تتمثل برفض المجر دعم العقوبات المقترحة، لكن «دولًا أخرى بدأت تستسلم لمطالب بوتين بدفع مدفوعات الغاز بالروبل». ونوه التقرير إلى أن أستراتيجية دعم مطالب العقوبات يجب أن تتضمن «أفعالًا تتطلب الإجماع بين جميع أعضاء (الاتحاد) البالغ عددهم 27 دولة.

وفي سياق متصل، أكدت صحفية «غلوبال تايمز» الصينية أن التحالف الغربي ضد روسيا بات غير موثوق به بشكل متزايد حيث بواجه أعضاؤه خسائر عملية بسبب العقوبات وفشل الحرب الاقتصادية التي شنها ضد روسيا. وكتبت الصحيفة: «تم إختراق فقاعة التضامن الغربي المثيرة للشفقة حتى قبل الإعلان عن القيود الجديدة على النفط الروسي، عندما قال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك إن وحدة الإتحاد الأوروبي بدأت في الانهيار». من جهته قال الباحث في الاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية لو شيانغ، إنه «من غير المرجح أن تكون أوروبا قادرة على العمل كجبهة موحدة في العقوبات ضد روسيا، لأن وحدة الغرب مفهوم نصف فارغ». وأشار إلى انه «لبعض الوقت، طور الإتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، علاقات جيدة مع روسيا، الأمر الذي تسبب في عدم الرضا في واشنطن، خاصة عقب استفادتها من تحيز الغرب ضد روسيا فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية». وخلص بالقول إلى إن «الأوروبيين ليسوا أغبياء لدرجة أنهم يؤذون أنفسهم لمجرد إبقاء الشراكة الأمريكية في هذه اللعبة. وعندما تتأثر مصالح العديد من الدول الغربية، ستبدأ الوحدة المهتزة في التصدع». واجهت الدول الغربية مشاكل اقتصادية حادة من ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة التضخم بسبب فرضها عقوبات على روسيا بعد بدء العملية العسكرية الخاصة لنزع السلاح في أوكرانيا، وأثرت الإجراءات بشكل رئيسي على القطاع المالي وتوريد منتجات التكنولوجيا الفائقة، لكن الدعوات في أوروبا لتقليل الاعتماد على موارد الطاقة الروسية أصبحت أعلى. ونعتقد أن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما قال: «يجب ألا نهين روسيا حتى نتمكن في اليوم الذي يتوقف فيه القتال من إيجاد مخرج عبر الوسائل الدبلدماسية، أنا مقتنع بأن دور روسيا هو أن تكون قوة وسطية»، ربما يعكس بداية اتساع الفجوة بين المواقف الأوروبية والأطلسية من روسيا.