في الثامن عشر من سبتمبر 2021 انتقل إلى جوار ربه بمدينة الكويت عن عمر ناهز 85 سنة السياسي والنائب والوزير الكويتي السابق عبدالمطلب الكاظمي الذي يُعد أشهر وزير نفط في تاريخ الكويت من بين 24 وزيرًا تولوا شؤون النفط حتى الآن، بل الوزير الكويتي الأول الذي حمل حقيبة النفط بعد فصلها عن حقيبة المالية في عام 1975، حيث تشير تشكيلات الحكومات الكويتية المتعاقبة أن الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح تولى ادارة شؤون النفط من عام 1962 إلى عام 1965 حينما كان سموه وزيرا للمالية والاقتصاد، ثم تولاها بالوكالة ما بين عامي 1965 و1967 الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد الصباح قبل أن تؤول إلى عبدالرحمن سالم العتيقي الذي عين وزيرًا للمالية والنفط في تشكلين وزاريين متتابعين ما بين عامي 1967 و 1975. كما كان الكاظمي أول شخصية من الطائفة الشيعية يتم توزيرها في الكويت.

حمل عبدالمطلب الكاظمي حقيبة النفط المستقلة عن حقيبة المالية لأول مرة ضمن الحكومة الكويتية الثامنة التي شكلها ولي العهد الشيخ جابر الأحمد في التاسع من فبراير 1975، وحافظ على موقعه ضمن الحكومة التاسعة التي شكلها الشيخ جابر الأحمد ايضا في السادس من سبتمبر 1976. وحينما شكَّل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح الحكومة الكويتية العاشرة في عام 1978 خرج منها الكاظمي وحلّ مكانه الشيخ علي الخليفة العذبي الصباح.

أما شهرة الكاظمي فجاءت من حادثين شهيرتين في التاريخ الحديث وقعتا إبان الفترة التي تولى فيها منصبه الوزاري. الحادثة الأولى وقعت خلال أول زيارة خارجية قام بها في أعقاب تعيينه وزيرًا للنفط وكانت إلى المملكة العربية السعودية في مارس 1975، حيث ذهب إلى الرياض مكلفًا من القيادة الكويتية من أجل التنسيق بين البلدين في شؤون النفط وأيضًا من أجل البحث في موضوع تقسيم المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت إداريًا (طبقًا لما صرح به في لقاء تلفزيوني). وتشاء الأقدار أن يكون الرجل آخر شخصية التقت بالملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، فبمجرد أن أنهى الكاظمي مصافحة وتقبيل الملك في قاعة الاستقبال وقع الفيصل على الأرض في الحادثة المأساوية المفجعة المعروفة التي انتهت بوفاة جلالته يوم 25 مارس 1975. وعن هذه الحادثة قال الكاظمي: «نعم كنت موجودًا لحظة الحادث الكبير، وما دار في تلك اللحظة شيء لا يصدقه العقل، إذ ترى أمامك ذلك الملك المهيب وهو يسقط شهيدًا على الأرض. ولعل تصرفي الهادئ يرجع إلى عدم استيعابي لما جرى أمامي، إذ كانت الصدمة أكبر من التصور».

أما الحادثة الثانية فقد وقعت إبان تمثيل الكاظمي بلاده للمرة الأولى في مؤتمر لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) عقد في ديسمبر 1975 بالعاصمة النمساوية فيينا، حيث كان الكاظمي ضمن وزراء النفط الأحد عشر الذين احتجزهم واختطفهم تحت تهديد السلاح الارهابي الفنزويلي العامل لصالح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين «إلييتش راميريز سانشيز» المعروف باسم «كارلوس»، علمًا بأن كارلوس ورفاقه الارهابيين نقلوا الرهائن إلى الجزائر بطائرة اضطرت السلطات النمساوية لوضعها تحت تصرفهم، وفي الجزائر تمّ الإفراج عن الرهائن من بعد مفاوضات عسيرة. وهكذا نجا الكاظمي وعاد سالمًا إلى بلاده في طائرة خاصة أمر وزير الخارجية آنذاك الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رحمه الله بإرسالها إلى الجزائر لنقله إلى بلده مع الوفد المرافق، ليجد في استقباله حشد شعبي ورسمي كبير. وفي شهادته عن هذه الحادثة الارهابية قال إن كارلوس سأله بالعربية عمن يكون، وحينما أجاب بأنه وزير النفط الكويتي أشار إليه بالانضمام إلى فئة الوزراء الأعداء قائلاً: (الكويت 50 بالمائة أعداء) قبل أن يغير رأيه ويضمه إلى فئة الأصدقاء. والمعروف أن الارهابي كارلوس، بعد أن سيطر على الموقف داخل قاعة الأوبيك أثناء الجلسة الختامية للمؤتمرين، طلب من المتواجدين الانبطاح أرضًا، ثم راح يسأل كل واحد عن اسمه واسم دولته، قبل أن يقسمهم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول ضم وفود الدول الأعداء (إيران والسعودية والكويت)، والقسم الثاني ضم وفود الدول الصديقة (العراق والجزائر وليبيا)، والقسم الثالث ضم وفود الدول المحايدة (الأكوادور وأندونيسيا وفنزويلا ونيجيريا). يقول الكاظمي إن كارلوس كان يريد أخذ الوزراء في طائرة كرهائن والتحليق بهم من بلد إلى آخر مع إجراء مفاوضات مع الجزائريين والليبيين من أجل الحصول على أكبر قدر من المال كفدية.

وهناك حادثة ثالثة يـُشار إليها إلى جانب الحادثتين السابقتين في معرض الحديث عن سوء الطالع الذي لازم الكاظمي خلال توليه حقيبة النفط، وهي نشوب حريق هائل في واحد من أكبر حقول النفط الكويتية بـُعيد أيام من تسلمه منصبه الوزاري سنة 1975. لكن من جانب آخر واكب الكاظمي، بصفته وزيرًا للنفط، لحظة تاريخية في تاريخ الكويت النفطي وذلك حينما وقع اتفاقية التأميم مع شركة البترول البريطانية وشركة غالف للزيت في مارس 1975 والتي بموجبها سيطرت الكويت على مواردها البترولية بالكامل من بعد عقود طويلة كانت تملك فيها حصة 40 بالمائة فقط من نفطها بينما البقية بيد الشركات الأجنبية، وفقا لنصوص اتفاقية الامتياز التي كان مقررًا لها أن تستمر حتى عام 2026.

ولد عبدالمطلب بن عبدالحسين بن حسن الكاظمي في الرابع والعشرين من أكتوبر 1936 بمدينة الكويت لأسرة قدمت إلى الكويت من العراق في أوائل القرن العشرين، ويرجع نسبها ــ طبقًا لمصادر العائلة ــ إلى قبيلة شمر، علمًا بأن هذه الأسرة تـُعرف في الكويت بالكاظمي أصحاب الديوان بمنطقة الدسمة تمييزًا لها عن أسرة أخرى تحمل الاسم نفسه. وقد وجدت في الجزء العاشر من كتاب «موسوعة العتبات المقدسة» لجعفر الخليلي أن عائلة الكاظمي في الكويت نسبة إلى ضاحية الكاظمية ببغداد وأنهم يلقبون هناك بعائلة «أبو اللحم» من البوطباخ من بني سلاميين في الدجيل بالقرب من بلدة في طريق سامراء، وانهم هاجروا واستقروا في الكاظمية أثناء الطاعون الكبير سنة 1246 للهجرة، وأن بني عمومتهم هم آل بوغنام من شمر.

وفي موقع تاريخ الكويت وجدت ما يفيد أن جد الوزير عبدالمطلب الكاظمي أي حسن الكاظمي كان متزوجًا من سيدة من عائلة الجمالي المعروفة، وبعد أن ترملت اقترنت بالتاجر الكويتي الحاج عبدالله محمد المتروك، الذي تولى رعاية ابنها عبدالحسين حسن الكاظمي، وحينما أنجب الأخير ولديه زيد عبدالحسين الكاظمي وعبداللطيف عبدالحسين الكاظمي اشتغلا عند المتروك، حيث استلم الأول إدارة أعمال المتروك التجارية في المحمرة، واستلم الثاني إدارة أعمال المتروك في البصرة، واستمرا كذلك إلى أن استقلا عنه وصارا من رجال الأعمال المعروفين ومن أصحاب الوكالات التجارية (مثل وكالة سيارات مرسيدس الألمانية التي اختص بها زيد الكاظمي شراكة مع عبدالرحمن البشر ضمن شركة تأسست سنة 1949). ومن بوابة العمل التجاري شقا طريقهما نحو مجلس الأمة الكويتي، حيث خاض زيد (ت: 1989) انتخابات مجلس الأمة لعام 1963 عن الدائرة السابعة (الدسمة) ففاز بعد حلوله بالمركز الرابع، ثم شارك في انتخابات 1967 عن الدائرة نفسها ففاز أيضا بحلوله في المركز الأول. أما أخوه عبداللطيف (ت: 2013) فخاض الانتخابات للمرة الأولى في عام 1967 وفاز بالمركز الثاني في الدائرة السابعة، ثم كرر المحاولة في انتخابات عام 1971 ففاز أيضا بالمركز الثاني.

وبالعودة إلى سيرة شقيقهما الأصغر عبدالمطلب الكاظمي، نجد أنه نشأ في عائلة مكونة من 10 من الإخوة والأخوات، وكان ترتيبه الثامن بينهم، وتلقى تعليمه ما قبل الجامعي في المدرسة المباركية (أول مدرسة نظامية في تاريخ الكويت وتمّ افتتاحها في ديسمبر 1911م)، ثم في مدرسة الروضة.

وبعد اتمامه مرحلة دراسته الثانوية عام 1956 سافر إلى القاهرة، حيث التحق هناك بكلية التجارة التابعة لجامعة القاهرة التي تخرج منها في عام 1961 حاصلاً على بكالوريوس المحاسبة. وقد وصف الكاظمي فترته القاهرية، التي امتدت إلى خمس سنوات، بالفترة الذهبية في حديثه لبرنامح «حديث العمر» من تقديم الصديق سلطان القحطاني في قناة «روتانا خليجية»، مضيفا ما مفاده أن القاهرة هي المدينة الأجمل أولاً وثانيًا وثالثًا من بين المدن التي زارها في حياته وأنه عاش فيها بالطول والعرض وتفتحت فيها آفاقه الثقافية وتشرب من خلالها الشعارات القومية والوحدوية وعاصر فيها أحداثًا كثيرة مثل تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي سنة 1956 والوحدة المصرية السورية سنة 1958 وغيرها من الأحداث التي أثرت فيه وهو شاب.

وبعد عودته إلى الكويت سنة 1961 عمل في وزارة الأشغال العامة، حيث تم تعيينه في لجنة نزع الملكية للمنفعة العامة. ومن وزارة الأشغال العامة انتقل للعمل بوزارة المالية والنفط التي شغل فيها منصب مدير الميزانية العامة. وبصفته الوظيفية الأخيرة شارك ضمن كويتيين آخرين وثلاثة سعوديين وستة يابانيين في عضوية مجلس إدارة «شركة الزيت العربية» اليابانية التي تولت استخراج النفط من المنطقة المحايدة، وبصفته تلك اعتاد على الذهاب إلى طوكيو سنويا لحضور اجتماعات الشركة هناك والتي كان يتخللها منح المشاركين تذاكر جوية مجانية للسفر حول العالم، فاستثمر تلك التذاكر في التعرف على دول العالم المختلفة ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين لم يكن قد زارهما حتى تاريخه.

ويبدو أن الكاظمي شعر، وهو على رأس عمله الحكومي، بضرورة مواصلة دراسته العليا، فسافر في عام 1967 إلى الولايات المتحدة الامريكية لنيل درجة الماجستير التي حصل عليها بالفعل من جامعة كلورادو بمدينة بولدر، وهي جامعة عريقة تأسست في عام 1876. وفي هذا السياق أشاد بنظام التعليم الجامعي المنفتح والميسر في الولايات المتحدة، وقال أن الذي شجعه على إتمام دراسته العليا في الولايات المتحدة دون سواها هو الأكاديمي والصحفي والمؤرخ والناقد المصري كمال الملاخ (مكتشف مراكب الشمس الفرعونية) حينما التقاه في الكويت.

في عام 1971 دخل صاحبنا المعترك السياسي لأول مرة بتشجيع من شقيقه الأكبر زيد الكاظمي الذي أراده بديلاً عنه في العمل البرلماني، فترشح في انتخابات مجلس الأمة الكويتي لتلك السنة عن الدائرة السابعة ففاز بمقعدها، ثم كرر المحاولة في انتخابات عام 1975 عن الدائرة نفسها ففاز أيضًا. ولعل فوزه القوي في هاتين الدورتين كان وراء اختياره لشغل منصب وزير النفط. وبفقدانه المنصب الوزاري لم يكرر الرجل تجربة دخول البرلمان مجددًا، إذ انشغل بأعباء عضويته في عدد من المؤسسات. فقد كان عضوًا مؤسسًا لشركة النقل البري الكويتية وعضوًا مؤسسًا لشركة الكويت والخليج لصناعة السجاد، كما تولى رئاسة مجلس إدارة الشركة العربية للتأمين واعادة التأمين. وفي سنواته الأخيرة، قبل تدهور صحته ووفاته، حرص على الاطلالة على مواطنيه من خلال مقالات في الصفحة الأخيرة من جريدة النهار الكويتية.

وقد نعاه رئيس تحرير صحيفة النهار ومالكها جواد أحمد بوخمسين بمقال في 24 سبتمبر 2021م، عدد فيه خصاله ومواقفه فقال ضمن ما قاله: «إذا قلتَ إنه شخصية كويتية بارزة متفردة فقولك حق، وحديثك صدق، ولا بد أن يدخل عقول وقلوب كل المنصفين، ليس في الكويت وحدها، بل في المنطقة الخليجية كلها. وإذا قلتَ إنه مثال في العطاء، ومثل في البذل، وقدوة في الأداء المهني والوظيفي فما سجلت سوى الواقع، وما نطقت إلا بما تؤيده الأحداث، وتشهد على صحته وسلامته الوقائع داخل الكويت وخارجها. وإن تحدثتَ عن الديموقراطية السليمة والمشاركة السياسية الفاعلة النزيهة، فاجعل عنوانها الكاظمي، ولن تجد في هذا الصدد من يماري أو يجادل أو يعترض، فقد كان الرجل بالفعل عنوانًا للعمل السياسي الذي يتسم بسلامة المقاصد ونبل الأهداف والغايات. وإذا تطرقتَ إلى الإنسانية وحُسن الخلق، وما يضمه من تواضع ومحبة ومودة وإيثار وما يحتويه من لين الجانب وخفض الجناح، فاجعل الكاظمي في الصدارة، ولن تجد من أحد سوى القبول والموافقة، فالرجل يرحمه الله اجتمع على أخلاقه كلُّ من تعامل معهم أو تعاملوا معه، بل وكلّ من اقتربوا منه أو سمعوا عنه، لأن سيرته العطرة ملأت الآفاق، وأصبحت على كل لسان».

والجدير بالذكر أن الكاظمي كان في لندن، كعادته كل صيف، حينما اجتاحت القوات العراقية بلاده في أغسطس 1990، فيما كانت أسرته داخل الكويت المحتلة. وقد انضم إلى الكويتيين في الخارج لجهة حشد الجهود الإعلامية في سبيل التعريف بقضية الكويت والكشف عن جرائم النظام العراقي ضد بلاده ومواطنيه. ومن لندن انتقل إلى الأردن، حيث انضمت إليه أسرته بعدما تمكنت من الخروج سالمة من الكويت في رمضان 1990، فواصل الدفاع عن قضية بلاده من هناك.

وفي برنامج «حديث العمر» (مصدر سابق)، أفصح الرجل عن بعض مواقفه السياسية ومنها تنديده بما سمي بـ «الربيع العربي»، واصفًا إياه بالمؤامرة التي استهدفت تفريق العرب وتخريب أوطانهم، وشاكرًا الله على نجاة دول الخليج العربية منها بفضل تمسك شعوبها بأنظمتها الشرعية. ومنها دعوته إلى اصلاح الأنظمة القائمة من الداخل ورفض تغييرها بأدوات أجنبية، ومنها أيضًا وصفه للحركات والجماعات الارهابية المتطرفة مثل القاعدة وداعش بالتنظيمات التي تعمل لحساب جهات خارجية من أجل تدمير المنطقة العربية. وفي البرنامج نفسه قال إنه يدين بالفضل في مشواره المهني إلى شخصيات ثلاث: شقيقه الأكبر زيد الكاظمي الذي كان بمثابة والده، ووزير التجارة الكويتي الأسبق سليمان خالد العدساني، ووزير المالية والنفط الأسبق عبدالرحمن سالم العتيقي. أما الكتاب الذي تأثر به كثيرًا ــ حسب قوله ــ فهو كتاب «إسلام بلا مذاهب» لمصطفى الشكعة الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1971، والذي أرجع فيه مؤلفه أسباب ضعف المسلمين إلى تفرقهم وتمزقهم ما بين عدة مذاهب وعقائد.