قبل أكثر من أسبوع تكلم مؤثر سعودي عن تسمم ابنته بعشبة الحلتيت، وأنها تسببت في ارتفاع حرارتها لما فوق الأربعين درجة، ومعها انخفاض في ضغط الدم، وقد قام الطبيب المعالج بإخضاعها لعملية غسل معدة وتحسنت حالاتها، والعجيب أنهم يعتقدون بقدرة الحلتيت على معالجة مشاكل الجهاز الهضمي وطرد الجن، وهو يضاف إلى قائمة طويلة من الوصفات الشعبية التي تؤثر على الصحة العامة، كالكافور الذي يوصف للأمراض الصدرية، ولكنه يؤثر على الكبد والقدرة الجنسية، وجوزة الطيب التي تعطى لتعديل المزاج وقد تسبب الهلوسة. كل هذه الأعشاب تؤخذ من محال العطارة في المملكة، والتي لا تخضع لرقابة ومتابعة حقيقيتين، باستثناء لجان تعقيبية خجولة تقوم بها البلديات، مع ملاحظة أن المركز الوطني للطب البديل والتكميلي في المملكة لا يرخص لمحال العطارة، ولا يوجد جهة مخولة بالترخيص لها أو لأصحاب الخبرة والمشاهير من المعالجين بالأعشاب وكلهم مخالفون، ورغم ذلك لم يؤثر هذا في شعبيتهم أو في إقبال الناس عليهم، والمملكة فتحت باب الترخيص لستة تخصصات في الطب الشعبي عام 2020، ولكنها لم ترخص فعلياً إلا للحجامة وحدها، وبواقع 150 مركزاً على المستوى المحلي.

أكثر من 76 % من السعوديين يعتقدون بفاعلية الطب الشعبي في علاج الأمراض المختلفة، والكنديون لا يبتعدون وتصل نسبتهم إلى 70 %، وهناك من يراهن على قدرته في علاج السرطان، والصحيح أن الدراسات العلمية أكدت تأثير الأعشاب في الأعراض التي تصاحب العلاج الكيميائي أو الإشعاعي لمرضى السرطان، وتحديداً في تخفيف الآلام ومعالجة الغثيان لا أكثر، والأعشاب لا تعالج الغرغرينا أو الأنسجة الميتة، ولا تتجاوز قدرتها معالجة التقرحات الموجودة في القدم السكرية، مثلما أن القسط الهندي أو الحجامة لا يعالجا كورونا.

انتقال الناس إلى الطب الحيوي، والذي يعتمد في أساسه على نظرية جرثومية المرض، لم يبدأ إلا اعتباراً من القرن التاسع عشر الميلادي، وكان الطب الشعبي، قبل ذلك، متسيداً المشهد، ومن رواده أبقراط وابن سينا والرازي وغيرهم، ما لم أقل إن مايوكلينيك تستخدمه، في الوقت الحالي، كبديل للأدوية التقليدية في تعاملها مع آلام المرضى المزمنة، ومنظمة الصحة العالمية طالبت الدول بدمج الطب الشعبي أو البديل في أنظمة الرعاية الصحية الوطنية، وبناء أنظمة لتأهيل وترخيص ممارسيه.

ما سبق يأتي منسجماً مع القيمة العالمية لسوق الطب الشعبي، والتي قدرت بحوالي 192 مليار دولار في 2018، ومن المتوقع أن تصل لقرابة 300 مليار دولار في 2024، ولعل طريقة التعامل مع الطب الشعبي في كوريا الجنوبية تعتبر الأمثل، في رأيي، وبالأخص في مجال استخدام الإبر الصينية والتدليك وطب الأعشاب، وتوظيفها في إعادة تشكيل بعض الأنسجة والمفاصل في العمود الفقري، ونماذج النجاح موجودة في كل بلد متطور، وما نحتاجه هو البحث عنها والبناء عليها.