النمو الاقتصادي يعتمد على زيادة في الطلب على السلع والخدمات وهو ما يعني بالضرورة ارتفاع بالاستهلاك من قبل القطاع العام والخاص والأفراد وإذا اعتبرنا أن خطط الدول بالإنفاق الاستثماري الذي يحفز الطلب وكذلك القطاع الخاص تخضع لدراسات وتقديرات دقيقة حتى لا يتولد عنها أي عجوزات مالية أو تضخم سريع وسلبي فإن طبيعة استهلاك الأفراد والأسر وما يحكمها من أفكار تعكس ثقاتهم الاستهلاكية مختلفة تماماً وتؤثر فيها عوامل عدة تحرك الغريزة الاستهلاكية دون تقدير أحياناً لمدى الحاجة للسلعة التي يقدم الفرد أو الأسرة على اقتنائها ورغم أن دول كبرى اقتصادياً تعتمد في نسبة كبيرة من ناتجها على استهلاك الأفراد لكن بالمقابل تجد نشاطاً توعوياً كبيراً لتعزيز الثقافة الاستهلاكية الإيجابية كدول منتجة لأغلب السلع التي تستهلكها يصبح الاستهلاك مفيداً لدعم النمو الاقتصادي بعكس الدول التي تستورد نسبة كبيرة من السلع لتغطية الطلب بأسواقها مما يعني زيادة في تصدير الأموال للخارج وقد يكون سبباً في الوقوع بعجز بالميزان التجاري على مستوى الدولة كما أن أثر هذا الاستهلاك يبقى محدودا من ناحية توليد الوظائف أو زيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد.

لكن الأهم هو تأثيره على ميزانية الفرد والأسرة وأبعاد ذلك في الانعكاسات على المسؤوليات ذات الأولوية بالانفاق وأيضا مدى تأثيره على الادخار وكذلك الانجراف نحو إفراط بالاستهلاك على أساس أنه مبعث للسعادة وتلبية الرغبات مما يؤثر بنهاية المطاف على الاستقرار المالي للفرد والأسرة والذي قد ينعكس على حياتهم واستقرارها النفسي والذهني خصوصاً إذا وصلوا لمرحلة الاقتراض لأجل الاستهلاك ولا يمكن إغفال أن الزمن الحالي تلعب فيه عوامل عديدة بزيادة الاستهلاك للأفراد والأسر كوسائل التواصل الاجتماعي وما يقدم فيها من إعلانات من قبل مشاهير هذه المنصات حيث لعب النمط الجديد بالترويج للسلع والخدمات دوراً بزيادة الطلب عليها لأنها تقدم بأسلوب أقرب لحياة الفرد اليومية إضافة للدعم اللوجستي لايصال هذه السلع عبر خدمات التوصيل أو الحصول على أي خدمة عن بعد وكذلك طرق السداد الميسرة وبذات الوقت تقوم الشركات المالية والبنوك بتقديم عروض مميزة للاقراض أو البطاقات الائتمانية مما يوفر سيولة للمستهلك بوقت قياسي وبأيسر الطرق مما ينعكس بنهاية المطاف على زيادة بالاستهلاك تنمو تدريجياً لدى المستهلك وقد يصل البعض لتجاوز قدراته المالية ثم تبدأ المعاناة لديه حتى يجد حلاً لسداد ماعليه من التزامات وبعضهم قد يستمر في دوامة العجز المالي ويغرق في بحر الديون وما لذلك من آثار سلبية عليه وعلى أفراد أسرته أو من يعيلهم وقد يلعب ذلك دوراً في تحديد مستقبلهم العلمي والمهني.

لكن من أخطر الظواهر بمجتمعات الدول عموماً زيادة الاتجاه للاستهلاك المفرط والانجذاب للملذات على أنها هي التي تحقق الطموحات أن يكون ذلك سبباً في هدم أسر من خلال اتجاه الزوج أو الزوجة نحو إشباع غريزة الاستهلاك من خلال التخلي عن مسؤولياتهم برعاية الأسرة وتماسكها وتجد ببعض الحالات وقوع انفصال بينهم نتجية تركيز أحد الطرفين على الاستهلاك بطريقة يشعر أن بقاء هذه الروابط الزوجية عائق أمام تحقيق ما بات يعتبره طموحاته في الحياة وقد لا يصحو من هذه المرحلة إلا بعد فوات الأوان فالملذات كالسياحة أو اقتناء الماركات وزيارة افخم المطاعم ينتهي الشعور بها سريعاً ولا يدوم لكن بناء المستقبل للفرد أو الأسرة هو الذي يستمر ويبقى نجاحه قائماً دائماً فالتوازن في الحياة مطلوب ويمكن توزيع الدخل بين الأساسيات أولاً ثم الادخار ويأتي بعدها الكماليات كما أن الاستعداد للمستقبل يبدا مبكراً وكلما زاد الادخار والاستثمار ارتفع الدخل والقوة المالية للفرد أو الأسرة وبذلك يمكنهم الانفاق على كافة مناحي الحياة من استهلاك لسلع أساسية أو كمالية وفق قدراتهم ودون أي أعباء.

خيط رفيع يفصل بين الاستهلاك بمسؤولية أو بإفراط فالوعي بالثقافة الاستهلاكية يكتسب أهمية بالغة لأي مجتمع نظراً لتأثير ذلك على الاقتصاد والمجتمع لأي دولة وقد يكون هناك حاجة لبرامج توعية بمحددات الاستهلاك وترسيخ مفاهيم وقيم تدعم نظرة الفرد والأسرة لتخطيطهم المالي وانفاقهم وتعزيز ثقافة الادخار إلا أن على الفرد أيضاً المسؤولية الأولى في معرفة ما يحتاجه وعدم الانجراف وراء كل ما يتم الإعلان عنه من سلع وخدمات وبرامج سياحة وترفيه مكلفة مع ضرورة تقدير احتياجه وكذلك قدراته المالية والنظر لمستقبله وما بطمح لتحقيقه على صعيد ماليته وزيادة دخله فالحياة تفاصيلها واسعة وعديدة ولا يمكن اختزالها بما نشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي وهذا السيل الجارف للاعلانات.