قبل شهرين من الانتخابات النيابية في أيار الماضي، إدعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بملف أحداث الطيونة.

بعد ذلك، قامت الدنيا، ثم قعدت، ثم نام الملف في أدراج العدل... ومن سقط في هذه الأحداث خسره أهله فقط... ولا يزال مصدر النيران التي قنصت الضحايا مجهولاً...

واليوم، وعشية الاستحقاق الرئاسي ها هو المفوض عقيقي يدعي على النائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة وراعي أبرشية حيفا للموارنة المطران موسى الحاج.

أيضا قامت الدنيا، والظاهر من التطور السريع للأحداث أنها ستقعد، وقد يسقط ما حمله معه المطران في درج ما وينساه الجميع.

ويبقى بين الاستدعاء الأول والاستدعاء الثاني ثمة مقارنات تجوز. منها ما يتعلق بالأجواء التي كانت سائدة عبر الترويج لها بأن لا انتخابات نيابية حينذاك. واليوم، هناك من يروِّج للفراغ الرئاسي.

لكن الانتخابات حصلت في موعدها، مع كل التشنج الذي سبقها والفوضى الأمنية المتنقلة لتوحي بالفلتان.

وقيل بعد حصولها أن المجتمع الدولي فرض إجراءها، وهدد أهل المنظومة أنّ عكس ذلك غير مسموح.

ويحكى عن أن فعل الفرض لا يزال قائماً بما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي. بالتالي يمكن قراءة مسارعة مرشح «حزب الله» الموعود بكرسي بعبدا سليمان فرنجية إلى الديمان بعد سابقة توقيف المطران موسى الحاج، في إطار استكمال مشهدية التمهيد للالتزام بالمواعيد وفق الدستور، مع تحضير الأرضية اللازمة للسيطرة على النتائج سلفاً.

وفي باب المقارنات أيضاً، يأتي هذا التجييش الطائفي، كما شهدناه بفعل غزوة الطيونة، ليستعر أكثر فأكثر بعد انتقال الاستفزاز من السياسة إلى الدين. وكلنا نعرف مدى خطورة الأمر لأن سوق الطائفية هي الأكثر رواجا هذه الفترة، فخرائط التقسيم تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، وبلدية بيروت على المشرحة ليس لأسباب علمية وعملية، ولكن لأن هناك من يسعى إلى دمغ هوية الفساد بجماعة بعينها في ادعاء حرصه على المجتمع المسيحي، في حين أن ما تحتاجه بيروت وباقي المناطق اللبنانية هو رفع هيمنة الفساد وتطهير الإدارات والمحاسبة، فهذه الهيمنة عابرة للطوائف، بالتالي فإن المواجهة تكون بأداء بلدي يعتمد اللامركزية حيث يجب، لتسهيل أمور اللبنانيين، وليس لتقسيمهم وفق انتماءاتهم الدينية والمذهبية على حساب المواطنة.

أيضاً وأيضاً في باب المقارنات، يأتي ضرب القضاء. فعشية الانتخابات النيابية، كانت الحملة مستعرة لقبع المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، واليوم وأكثر من أي يوم مضى يتواصل العبث بالقضاء، الذي يتحرك بناء على إشارة سياسية ممن لهم اليد الطولى للتحكم بالملفات وإثارتها لخدمة الأجندات المشبوهة.

وفي حين يصر المدافعون عن توقيف الحاج على أن المسألة قضائية صرف ولا علاقة لها بالسياسة والرسائل الموجهة إلى بكركي، يتناسون أنهم يرمون القضاء والأمن كحذاء مهترئ عندما يتعلق الأمر بجرائمهم، وهي وبحمده تعالى إلى ازدياد وازدهار.

والمؤسف أن هذا الشعب العظيم حاضر لينسى أزماته التي تطيح بكل إمكانية عيش كريم له ولأولاده، ويقف متأهباً على شوار الاستفزازات، ويندفع كالثور ناسياً من سرق له أمانة وحاضره ومستقبله، وحتى جواز سفره، ليهب ويصرخ: يا غيرة الدين، ويمعن في التطرف. وهذا ما يطلبه المايسترو ليصنف اللبنانيين بين عمالتين أو أكثر... نحن مع إيران وأنتم مع إسرائيل... وغيركم مع السعودية... ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بفائض القوة... والساعي إلى كرسي بعبدا بوعد منذ التسوية المدمرة... يطمئننا الى أنه ملتزم الخط... لكنه لا يستجيب إلى الإملاءات...

صدقوا...وصادقوا...