يعتبر ارتفاع أسعار النفط من المواضيع التي تشغل بال البشر في كل مكان. هذا الارتفاع لا يتسبب في قلق الدول المستوردة والمؤسسات الصناعية والمستثمرين في القطاعات الاقتصادية التي تحتاج نفطا لتشغيلها فقط، لكنه يقلق بال جميع البشر حول المعمورة، وفي جميع الدول فقيرها وغنيها. حالياً تسود حالة عدم تيقن حول هذه الأسعار المرتفعة في الدول المنتجة ذاتها التي تعاني من تذبذب الأسعار وعدم الاستقرار بالنسبة لميزانياتها وتدفقاتها المالية . والواقع أن استهلاك الطاقة في الدول ذات الكثافة السكانية العالية كالصين والهند مثلاً هو في ارتفاع شديد مع وجود شح في العرض على مستوى العالم بسبب الحرب في أوكرانيا وملف إيران النووي والمشاكل التي تمر بها كل من ليبيا والعراق.

لقد وصل سعر البرميل الواحد من خامات معينة وفي بعض الأيام إلى أرقام قريبة من 150 دولارا أميركيا، وهذه ارتفاعات ليست في صالح الجميع مستهلكين ومصدرين على المدى الطويل. في هذه المرحلة يقوم عدد من خبراء أسواق النفط العالمية بإلقاء اللوم على عوامل معقدة غير الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على إيران وعدم الاستقرار السياسي في العراق وليبيا وفنزويلا ونيجيريا، ويقولون بأن تلك العوامل المعقدة هي السبب في الدفع بالأسعار إلى أعلى لكي تصل إلى هذه المستويات القياسية، فما الذي يحدث وما هي تلك العوامل المعقدة التي يتحدثون عنها؟

خبراء النفط العالميون يقولون بأن مجموعة من معوقات الطاقة طويلة الأمد مصحوبة ببعض المعوقات قصيرة الأمد هي التي تغير السيكولوجية الخاصة بأسواق النفط، وهم يعتقدون بأن الأسعار ستبقى مرتفعة وتتأرجح بشكل أكثر حدة على مدى السنوات القادمة مع فترات المنتظمة من المخاطر. لقد بدأ البشر بالشعور بالحسرة على الأوقات الماضية التي كان فيها السعر يتراوح ما بين 50 إلى 60 دولارا أميركيا للبرميل الواحد، ويرون بأنها قد مضت ولن تعود أبداً.

وبالتأكيد أن القوانين الأكثر تجذراً الخاصة بالعرض والطلب هي التي تقف وراء ارتفاع الأسعار الحاصلة حالياً، فبالكاد يوجد خام كافي لتلبية طلب مصانع العالم وسياراته ومحطات توليد الطاقة فيه؛ ولا تستطيع أي دولة ضخ القدر الكافي من النفط لكي تلبي طلب العالم المتزايد عليه، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. في أعوام سابقة كانت أوبك لديها القدرة على زيادة الإنتاج اليومي، لكن حالياً وبعد انقضاء سنوات الرخاء النفطي، انخفضت تلك القدرة كثيراً وأصبحت جميع الدول غير قادرة على الإنتاج الزائد لأنه لم تعد لديها أية إمكانية للقيام بذلك في حين أن الطلب العالمي في تصاعد شديد. واليوم دول «أوبك» أو الدول المنتجة من خارجها ليس لديها القدرة أو حتى الرغبة في الاستجابة الفورية للطلب المتزايد أو لزيادة القدر الذي تضخه في السوق العالمية وفي زمن قصير.

وفي الوقت نفسه فإن حرب أوكرانيا وتداعيات الملف النووي الإيراني، والقلاقل الداخلية الدائرة بعدد من الدول المنتجة لها علاقة بالسيكولوجية المتغيرة لأسعار النفط، ففي عقول تجار النفط، تكون الحروب والخلافات المتجذرة بين العديد من الدول تعكس احتمالات حقيقية لحدوث عراقيل وانقطاعات لو استمرت المسائل في السير على النهج الذي هي عليه أو إلى ما هو أسوأ.

وضمن هذه البيئة المضطربة والأوضاع القلقة أصغر الأمور أهمية كتعطل خط أنابيب هنا أو توقف مصفاة تكرير هناك يمكن أن يتم تضخيمه إعلامياً وعلى صعيد الإشاعات لكي يصبح شأناً خطيراً يهدد تدفقات النفط إلى عالم المستهلكين، فأي انقطاع ثانوي يسبب تأثيراً مهماً على سوق النفط. لذلك فإن الاهتزازات والتقلبات حقيقية وهي تُقاد من قبل آليات السوق وواقعيتها وليس للمنتجين دخل في ظهورها أو التسبب فيها كما تدعي العديد من الجهات المستهلكة في دول الغرب بالذات، مثل هذه الادعاءات التي تصاغ في العديد من المواقف في شكل اتهامات بأن الدول المنتجة تتعمد نقص الامدادات لكي ترتفع الأسعار هي طروحات غير دقيقة وغير واقعية تقف ورائها أمور سياسية تخص الانتخابات والقضايا الداخلية لدى المستهلكين.