يحيّر الوسيط الأميركي بين لبنان وإسرائيل في شأن ترسيم الحدود البحرية المختلف عليها، والمفترض أنها غنية بالغاز، اللبنانيين. هل اسمه هوكشتاين أم هوكشتين أم هولستين أم هولستاين أم هوكستين؟ وفي المناسبة هولستاين أو هولشتاين هو نوع من الأبقار الألمانية الأصل ذات الإنتاج الوفير من الحليب. وربما يكون أصل عائلته من ألمانيا، كما يوحي لفظ اسمها.

ليس اسم هوكشتاين وحده الذي يحيّر لبنان واللبنانيين، فالوسيط الأميركي يحير البلد بتصريحاته وبتصريحات المسؤولين اللبنانيين الذين يلتقيهم، وبالتسريبات الإعلامية التي تملأ الشاشات والصفحات والمانشيتات.

في آخر زيارة له لبيروت قبل يومين، حيث التقى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال، أشاع آموس هوكشتاين مناخاً لم يُعرف إذا كان إيجابياً أو سلبياً أو بين بين، أو حذراً أو متفائلاً أو متشائماً. قال كلاماً معظمه نصائح ومفاده بالخط العريض أن اقبلوا ما يُعرض عليكم الآن، لأن الفرص لا تتكرر، واستفيدوا من الفرصة العالمية السانحة حيث العالم بحاجة ماسة إلى النفط والغاز والأسعار مرتفعة، وهذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ بلدكم.

يعتمد هوكشتاين (وهذا الاسم هو الأصح نقلاً عن الاسم الأجنبي الأصلي الذي ليس فيه حرف ل)، سياسة العصا والجزرة مع لبنان، وليس سراً أنه إسرائيلي الهوى، فهو يهودي أميركي ولد في إسرائيل وخدم في الجيش الإسرائيلي قبل نحو ثلاثين عاماً.

يقيم هوكشتاين كلما أتى إلى لبنان الدنيا ولا يقعدها، ينشغل البلد به ويعيش الجميع على وقع تحركاته وتصريحاته وتسريباته وتسريبات سفيرة بلاده. والأهم التسريبات التي لا تركب على قوس قزح إلى وسائل الإعلام اللبنانية والعربية العاملة في لبنان أو منه.

يترك هوكشتاين الكثير من الغبار عندما تقلع طائرته من بيروت، زوابع في كل مكان لا تهدأ حتى يعود مرة ثانية بأجوبة ومقترحات لم تحدث فارقاً نوعياً حتى الآن. كل الإيجابيات التي تحدث عنها هي إيجابيات شكلية تتعلق باجتماع الرؤساء الثلاثة معه، ما يشير إلى موقف لبناني موحد. المقترح الإسرائيلي الذي سرّب إلى الإعلام أنه حمّله رفضه الرؤساء الذين لا يجمعهم تشكيل حكومة أو أي قضية وطنية ملحّة أخرى.

تعوّد اللبنانيون على كليشيهات جاهزة في تصريحات المسؤولين اللبنانيين عادة ما تكون مغايرة للحقيقة، فما يصرّح به بعد الاجتماعات ليس بالضرورة موضوع الاجتماعات. قد يبحث السياسيون اللبنانيون المحاصصة في الحكومة والوظائف والمكاسب، ويصرحون بأن البحث تناول حل القضية الفلسطينية ومواجهة تداعيات حرب أوكرانيا...

يتقن السياسيون اللبنانيون لعبة المتاهة. اللبناني تائه لا يعرف شيئاً، رغم طوفان "المعلومات" في الصحف ومحطات التلفزيون والمواقع الإخبارية، وحتى على "فايسبوك" حيث أصبح كل مواطن محللاً سياسياً وربما استراتيجياً. يدخلك السياسيون اللبنانيون في زاروب ويخرجونك من زاروب آخر، فلا تعرف من أين دخلت ولا من أين خرجت. "لا تأخذ منهم لا حقاً ولا باطلاً" كما يقول المثل الشعبي. لا تغرنّك تصريحاتهم الوطنية ومواقفهم البطولية، فما خفي لن تعرف عنه شيئاً. إنهم أبطال الاستعراضات الأكروباتية وألعاب الخفة والسحر الخدّاعة.

قيل الكثير عن زيارات هوكشتاين ومحادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، وسيعود الرجل مراراً بعد، فما حصل حتى اليوم ليس أكثر من تضييق بسيط للفجوة. وليس الخلاف على الحدود مع إسرائيل هو المشكلة الوحيدة التي ما زالت تمنع لبنان من بدء التنقيب عن نفطه. وربما يحتاج لبنان، إذا تم الاتفاق مع إسرائيل، إلى هوكشتاين آخر يعمل وسيطاً داخلياً في لبنان بين كبار متعهدي ملف النفط والغاز اللذين لن يتوفرا من قاع البحر إلا وقد هاجر ثلاثة أرباع الشعب اللبناني.

بعد ثلاث أو أربع سنوات لن يعود اللبنانيون، ولا غيرهم، بحاجة للغاز لإنتاج الكهرباء، لبنان خلال سنة سيصبح بلداً يعتمد الطاقة الشمسية بمبادرات فردية خالصة، ومن دون أي دعم وتخطيط من دولة ليست موجودة أصلاً. نصف قرى لبنان حالياً "دبّر" أهلها أنفسهم ولو بالدين وركبوا ألواح الطاقة الشمسية. بعد 5 سنوات فقط سيصبح العالم المشمس مضاءً بالشمس ليل نهار، إلى أن يحل عصر الألواح الضوئية التي لا تحتاج إلى الشمس، فقط إلى الضوء. أما المسؤولون اللبنانيون فليتسلوا باقتسام ما تبقى من جبنة.
مرحبا غاز!