ما الذي دفع الرئيس ميشال عون إلى العدول عن زيارة نيويورك وترؤس وفد لبنان إلى الجمعية العمومية وإلقاء كلمته فيها؟

في اجتماعه ما قبل الأخير معه للتداول في الشأن الحكومي، سأل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الرئيس عون: هل تنوي فعلاً الذهاب إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة كما تردد في وسائل الإعلام؟ فأجابه بأنه لم يتخذ قراره النهائي بعد وسيدرسه ليقرر في ضوء ذلك إذا كان سيسافر إلى الأمم المتحدة.

كانت دوائر القصر الجمهوري ووزارة الخارجية بدأتا تهيئان لزيارة الرئيس عون منذ بضعة أشهر. واستقر الرأي على أن يصلها في 20 أيلول الجاري وأن يلقي كلمة لبنان أمام الجمعية العمومية في 21 منه، إذ جاء ترتيبه بين رؤساء الدول الذين سيتحدثون خلالها في الرقم 16. وطلبت هذه الدوائر موعداً لاجتماعه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومع عدد آخر من رؤساء الوفود.

لكن ميقاتي أبلغ عون في ذلك الاجتماع أنه سيزور نيويورك لمناسبة الجمعية العمومية. وكان ميقاتي من جهته طلب موعداً لاجتماع مع غوتيريش ورؤساء دول وقادة آخرين منهم ملك الأردن عبد الله الثاني ورؤساء، من أجل الاطلاع على تطورات الوضعين الدولي والإقليمي والبحث في أزمة لبنان، وإجراء لقاءات تتعلق بالمساعدات الموعودة للبنان وبالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً أن الجلسة النيابية لإقرار الموازنة تكون قد انعقدت، وهو أحد مطالب وشروط الصندوق.

وكان فريق الرئيس عون يحضر منذ أسابيع للزيارة لا سيما لجهة طرح ملف إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، الذي يلح على إطلاقه قبل نهاية ولايته الرئاسية، بالاستناد إلى مواقفه المعلنة منذ أشهر، والذي وافقه عليه الرئيس ميقاتي بقوله إن لبنان سيعيدهم عبر تطبيق القانون. وترأس عون سلسلة اجتماعات وزارية مع الوزراء المختصين في شأن هذا الملف الذي سيطرحه الوفد اللبناني في الأمم المتحدة من زاوية قانونية واقتصادية وسياسية مؤكداً عدم أحقية حجج الدول والهيئات الدولية التي تعارض هذه العودة، بحجة أمن النازحين العائدين وغياب ضمانات عدم التعرض لهم من قبل أجهزة الأمن السوري، وعدم جاهزية الجانب السوري لاستقبالهم لجهة تأمين إيوائهم والبنى التحتية لعيشهم في أماكن العودة. استندت تحضيرات الملف الذي يفترض أن يحمله الوفد اللبناني إلى نيويورك، إلى دراسة قانونية لا تستبعد القيام بمراجعة قضائية حيال عرقلة هيئات دولية هذه العودة. ويأمل عون بأن يكون تحريك ملف عودة النازحين ومحاولة انتزاع قرار بتجاوب دولي مع هذا المطلب اللبناني أحد الإنجازات التي يطمح إليها قبل مغادرته الرئاسة. وفي المقابل تساءل بعض الأوساط عما إذا كان المجتمع الدولي سيتعاطى مع رئيس ينتقل قريباً إلى منزله، لأنه يتوقع قيام سلطة جديدة في البلد. فهل هناك من نصح رئيس الجمهورية بعدم المراهنة على نتائج ملموسة من وراء مشاركته في الجمعية العمومية، لأن لا اهتمام بلبنان في ظل الاستقطاب الدولي حول الحرب في أوكرانيا؟

قبل أقل من أسبوع على موعد الزيارة، ارتأى الرئيس عون اتخاذ قراره بالإحجام عن الذهاب إلى نيويورك، خصوصاً بعدما اتفق مع الرئيس ميقاتي في اتصال بينهما شاء الأخير إبلاغه فيه أنه سينتقل إلى لندن آخر الأسبوع لحضور جنازة الملكة إليزابيت، على أن يتولى رئيس الحكومة رئاسة الوفد اللبناني إلى نيويورك أيضاً.

بصرف النظر عن مدى صحة إشاعات سبقت هذا الاتفاق عن أن ميقاتي سيزور نيويورك بدوره سواء ترأس رئيس الجمهورية الوفد اللبناني إليها أم لم يترأسه، ولو بشكل منفصل من ناحية التوقيت، لإجراء لقاءاته مع عدد من المسؤولين هناك، فإن اتفاقهما وفر على البلد المزيد من الشرشحة التي بات موصوفاً بها أمام قادة الدول والمنظمة الدولية، لو صح ما أشيع عن نية ميقاتي الذهاب في شكل منفرد وبصفة شخصية إذا ترأس عون الوفد اللبناني الرسمي. فقد سبق الرئيس عون وفد مهمته التحضير لوصوله إليها. ولعل الفائدة الوحيدة من وراء التردد الذي طغى على نية عون السفر أن بعض الموظفين والمرافقين استفادوا من زيارة نيويورك ومن البدل المالي للسفر في مثل هذه الحالة، في ظل قصور الرواتب التي يتقاضونها في لبنان عن تأمين معيشتهم.

في الأسابيع الستة الأخيرة من العهد الرئاسي سنشهد الكثير من التحركات التي تهدف إلى إثبات الوجود، ومحاولة توظيفه في أدوار ما بعد انتهاء الولاية الرئاسية، مع ما سيتركه ذلك من انعكاسات سياسية في خضم الخلافات. هذا في وقت فات الأوان على الإنجازات وتحقيق المكاسب. ولا مجال لتغيير مجرى الأحداث في ربع الساعة الأخير. وهذا ينطبق على جميع الفرقاء.