قد يسألني القارئ: كيف نُحدد ونفهم مكانة الأخلاق ودورها في صهر العلاقات بين الدول، وخصوصاً المتجاورة منها كما تراها في الخليج؟ أيمكن تعميمها في عصر معقّد مُتخم بالمصالح والحروب؟ هل لدى حكّام الدول وشعوبها المستغرقة في العولمة الوعي الكافي للقيم والأخلاق في تنقية العلاقات الدولية؟

تلك مسائل قديمة، شغلت فلاسفة اليونان ومفكري الإسلام والغرب. ليست النوايا جديرة بتحقيق الأهداف، لأن فشل فصول القيم وينابيعها الأخلاقية مدموغة بالدوافع الشخصية ليبقى السؤال المطروح أبداً: متى يتأبط القادة وسادة الأخلاق والقيم كي تصبح دولهم مثالاً للفضائل والحضارة والتقدم لشعوبهم؟ الجواب: تعالوا معي نحو الخليج.

تتضافر تلك الأسئلة عبر التاريخ وخصوصاً في قرن راهن محكوم بالتيه الدولي والمخاطر النووية المستحيلة في تنقية العلاقات الدولية وتخبطها. أحيل السائل سواء أكان رئيس دولة أو مسؤولاً سياسياً أو كاتباً أو إعلامياً أو مواطناً عربياً أو أجنبياً إلى الإطلالة على الينابيع الأخلاقية الطبيعية التي نشهدها في دولة الإمارات، زارها أو لم يزرها بعد، لكنه سمع أو شاهد بريقها قطعاً عبر عيون الكرة الأرضية، بتوصيفات لا يفيها مقال؛ بل تحتاج لأطاريح دكتوراه تفكّك العلاقات الدولية:

1- أفهم دوافع أسئلتك ومناسبتها، فأجيبك بأن علاقات مميزة اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية حاملة لهويات مشحونة بميراث من قيم تربط دولة الإمارات بسلطنة عُمان على سبيل المثال. في رأس مميزاتها التقارب الشامل والتداخل الجغرافي القائم عبر شرايين الأصول والدم والنسب واللغة والدين والماضي والحاضر والمستقبل وحسن الجوار والصلات الاجتماعية. تتكشّف العلاقات التجارية والاقتصادية وغيرها أنموذجاً مضيئاً للأخوة بتوجيهات القيادتين الحكيمتين لصاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الذي قام بزيارة إلى سلطنة عمان والتقى بأخيه السلطان هيثم بن طارق. تم خلال هذه الزيارة بحث العديد من القضايا والأمور ذات الاهتمام المشترك، كما تم التوقيع على عدد من التفاهمات في مختلف الميادين بما يسهم في تحقيق تطلعات البلدين وآمال شعبيهما بالرخاء والنمو والتعاضد بهدف الازدهار الحضاري والإنساني.

2- إنه لمن الغبطة لو نصحتك سائلي بالاطلاع، على سبيل المثال لا الحصر، على ميراثنا القديم الحي أعني الأخلاق في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية. أحيلك إلى مجلدات «أدب الدنيا والدين» لأبي الحسن الماوردي، و«ميزان العمل» للغزالي، و«مكارم الأخلاق»، لابن أبي الدنيا و«شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال» للعز بن عبد السلام، و«الذريعة إلى مكارم الشريعة» للراغب الأصفهاني و«تهذيب الأخلاق»، لابن مسكويه، وتطول القائمة التي توثّق السياسة بالأخلاق بما يتجاوز هذا المقال في المجال. تجدر الإشارة إلى الكاتب الأمريكي جوزيف ناي في مؤلّفه الأخير: «هل للأخلاق دور في السياسة» طارحاً سرديات نقدية لأداء كل رئيس أمريكي بهدف حضّه نحو المعايير الأخلاقية كاتباً «أن معظم الناس يطلقون أحكامهم الأخلاقية عبر ثلاثة أبعاد: النوايا والأدوات والعواقب، ويجهلون القيم».

أنت تسأل عن مجتمعات خليجية عربية مسكونة بهذا الميراث الأخلاقي المتدفق أبداً، تنعم بالحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية والرخاء الاقتصاد وقيم التجرد والتضحية بالنفس والمال والحق بالعيش داخل الخليج وفي العالم، وقد حباهم الله كنوز السماء الأرض على رضى واحترام وتعفف ونشاط وإيمان. لولا ذلك لما كانت هناك سياسات باهرة وعمران وناطحات سحاب ومدنية بارزة من ثمار التنشئة الاجتماعية الموصولة أبداً بأصولها وحاضرها بالقيم السماوية التي فاضت لحظة الوحي فطبعت تاريخها بالمبادئ سواء بدأوا فوق الحصير أو تحت شجر النخيل، لكنهم في الكواكب عبر الفضاء يمتهنون الذكاء الاصطناعي ويعتملون العلم والعقل والحكمة المتراكمة في ظل المبادئ العامة للنظم الأخلاقية التي تتوّج أنشطتهم وعلاقاتهم العائلية والوطنية والسياسية.

3- للحبر إذن، أن يتجاوز البحور والمحيطات في مجراه في توصيف العلاقات الدولية الأخوية بين الأشقاء، حيث تحضر الإيقاعات الدموية والقرابات الجغرافية وحسن التعبير والتهذيب في الإفصاح عن نفسها وجداول أعمالها، بشكل خاص، وبرحابة أخوية تتجاوز «الأرباح» التي تتشبّث بعلاقات معظم زعماء دول العالم التي ترعب المسكونة. قد يظن البعض من علماء السياسة والفكر، أن هذه العلاقات غير موجودة؛ بل أصبحت نادرة تسبقها المصالح، لكن المتابعين لموضوع العلاقات الأخوية بين الأشقاء في مساحات الإمارات، يدركون بأن المساهمات واللقاءات والاستراتيجيات، تمشي غالباً على الطرق المزروعة بالقيم والأخلاق والعلاقات النظيفة الموروثة على حفّ الشاربين وقطع الكلام والوعود الضخمة في المحارم البيضاء كحد السيف. أقول موروثة، لكونها من شيم الأجداد وتتجدد عبر الأبناء الشباب والأحفاد بحكمة تربوية قوامها أن الحكم والعلاقات الدولية سير ذاتية وأخلاقية باقية تطبع المحيط القريب والبعيد بدمغات خليجية خاصة راقية.