هل يعيد رفض إسرائيل الملاحظات اللبنانية على مسودة هوكشتاين للاتفاق على ترسيم الحدود البحرية عقارب الساعة إلى الوراء بعد أن أخذ المسؤولون يبشرون باقترابه وبأن إنجازه بات في الأمتار الأخيرة؟

اللافت أن المسؤولين اللبنانيين اعتبروا الملاحظات بسيطة وغير ذات أهمية وسط اعتقاد عام بأن المسائل الجوهرية جرى بتها وأنه لن يتم التوقف عند بعض التفاصيل، وصاغوا موقفهم من بعض «الشياطين الصغيرة» كما وصفها نائب رئيس البرلمان الياس بوصعب على أن الخلاف في شأنها لن يقف حجر عثرة أمام إتمامه. فهل تصرف الجانب اللبناني على أنه منتصر في المبارزة الديبلوماسية التي جرت فاستسهل التعاطي مع المرحلة النهائية الدقيقة لإنجاز الاتفاق استناداً إلى هذا الاستنتاج، أم أن الضغوط الأميركية على رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد لم تأخذ في الاعتبار أنه يواجه معركة انتخابية شرسة بعد أقل من 4 أسابيع، شحذ فيها خصمه الراغب بالعودة إلى رئاسة الحكومة بنيامين نتانياهو أسلحته الدعائية ضد ما سماه «استسلام» لبيد لـ»حزب الله»؟

في انتظار اتضاح طبيعة النقاط التي يرفضها الجانب الإسرائيلي، يخفف المسؤولون اللبنانيون من وقع الملاحظات التي أبدوها في ردهم على مسودة هوكشتاين.

لكن سؤالاً آخر طُرح بموازاة الرفض الإسرائيلي، واقترانه بإعلان حليف لبيد الانتخابي وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس إصداره تعليمات للجيش بالاستعداد لتوتر أمني على الحدود، عقب تسريب مصدر إسرائيلي خبر رفض الملاحظات اللبنانية: هل جاء دور إسرائيل للمناورة والتشدد بعدما بدا الموقف اللبناني موحداً، في مقابل الانقسام الإسرائيلي الداخلي بفعل الانتخابات؟

سبق ذلك استبعاد المسؤولين اللبنانيين أن تؤدي حشْرة لبيد الانتخابية به إلى التذرع بتلك الملاحظات من أجل تأجيل الاتفاق تجنباً للحملات عليه، لكن هذا الترجيح أصيب بخيبة على ما يبدو، إلا إذا كان هناك بين الملاحظات التي أعدها لبنان ما هو مستعد للتخلي عنه.

التعقيدات التي واجهت وتواجه الأمتار الأخيرة لإنهاء الاتفاق تثبت وفق أحد المسؤولين اللبنانيين بأن ما قيل عن أن اتفاق ترسيم الحدود اتفاق أميركي إيراني ليس دقيقاً. وبنفيه أن يكون كذلك يقول المسؤول إياه إن إيران غير معارضة للاتفاق، لكنها غير معترضة عليه، بمجرد أن «حزب الله» أبلغ المسؤولين اللبنانيين أنه «غير معني بالموافقة أو الاعتراض، لا على الخط 23 ولا على الخط 29 ، وأنه لن يعارض اتفاق الترسيم ولن يعلن موافقته عليه ولتفاوض الحكومة وتقرر ما تراه.

من يعرفون حقيقة موقف الحزب اعتبروا التهديدات التي أطلقها باستهداف حقل «كاريش» في مطلع شهر تموز مناورة مستغلاً ما سماه الأمين العام السيد حسن نصر الله فرصة الإلحاح الأميركي على استخراج الغاز الإسرائيلي لسد النقص الذي تعاني منه أوروبا بحجة أنه لن يسمح باستثمار إسرائيل لحقولها الغازية في وقت لا يستطيع لبنان ذلك لأن هناك مساحات متنازع عليها.

ومع أن المسؤولين اللبنانيين وقادة الحزب اعتبروا أن تهديداته ساهمت في تكثيف تحرك الوسيط الأميركي، تجنباً لأي مواجهة عسكرية، إلا أن بعض القوى السياسية اللبنانية المراقبة لمفاعيل تهديد «حزب الله» تعاطت معه على أنه مناورة، هدفها استفادة الحزب من الظروف من أجل تبرير استمرار احتفاظه بسلاحه، بحجة أنه ساهم، من دون حرب، في حماية حقوق لبنان البحرية والنفطية، مع إدراكه سلفاً بأن تنفيذ تهديداته دونه مخاطر كبرى لا يحتملها البلد والحزب وجمهوره، وأن وظيفته إيرانية تتعلق بانسداد أفق التفاوض على النووي ورفع العقوبات الأميركية عن طهران.

والمتابعون للموقف الأوروبي والأميركي، رأوا أنه لو نفذ الحزب تهديداته لكان ذلك تحدياً لأوروبا، واستهدافاً لأمن الطاقة الأوروبية، لأنه يحجب عنها إمدادها بالغاز الإسرائيلي الذي يقترب استخراجه، ولكان دفع الاتحاد الأوروبي إلى تصنيف الحزب بجناحيه السياسي والعسكري منظمة إرهابية، فضلاً عن أنه كان ليدفع الدول الأوروبية إلى التشدد أكثر حيال طهران.

كما أن مسؤولاً لبنانياً آخر من المنخرطين بتفاصيل التفاوض على الترسيم من جوانبه الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية، رأى أن لبنان «نَفَد» بتفهم واشنطن لمطالبه بسبب عامل رئيسي هو تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، والحاجة الغربية إلى الغاز الإسرائيلي الذي يمكن أن يستخرج قريباً من حقل «كاريش» والحقول الأخرى التي بدأت إسرائيل استثمارها قبل لبنان بسنوات، وكذلك الحاجة إلى الغاز من سائر حقول دول شرق البحر الأبيض المتوسط، لاحقاً. فهذه كانت الأساس الذي سمح بضغوط دولية على إسرائيل كي تتوقف عن صد المطالب اللبنانية.

الاستنفار الإسرائيلي بعد التقدم الذي حصل في التفاوض يدفع إلى تصنيفه في خانة المناورة لدوافع داخلية. ويرجح مراقبون أن يجري تطويق مضاعفات تأخيرالاتفاق بعض الوقت جراء عاصفة الانتخابات.