توج افتتاح الفصل التشريعي 17 لمجلس الأمة بنطق سامٍ سياسي تاريخي بعنوان «وثيقة العهد الجديد»، وتزكية نيابية للبرلماني المخضرم والرمز الوطني أحمد السعدون رئيساً لمجلس 2022، ليعم التفاؤل الشعبي بقرار السلطة «إحياء العملية الانتخابية بعد موتها».

طوى النطق السامي، الذي ألقاه سمو نائب الأمير ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح حفظه الله مؤخراً صفحات من الإشكاليات الدستورية والانتخابية بصراحة التعبير والحديث الأبوي لأبناء الوطن الواحد، محملاً الشعب المسؤولية المشتركة في رحلة البناء والتطوير.

حمل الخطاب السامي الأخير في مضامينه توجهات ذات أبعاد دستورية ووطنية بغاية الأهمية، علاوة على تحديد طبيعة مسؤوليات السلطتين التشريعية والتنفيذية في المرحلة الحالية والمقبلة، والتي وصفها رئيس المجلس أحمد السعدون بأنها «مرحلة الإنجاز».

لقد حددت «وثيقة العهد الجديد» مسارات واتجاهات التعاون النيابي - الحكومي لطي العثرات السياسية والصراعات، التي طغت على الماضي البرلماني من أجل العمل في نطاق الدستور واللائحة الداخلية، تحقيقاً لمعالجة جذرية لكل التحديات الاقتصادية والسياسية والتنموية.

وركزت الوثيقة السياسية الجديدة على احتياجات المرحلة الراهنة والمتطلبات المستقبلية، التي ينبغي ألا تغيب عن بصيرة السلطتين، حتى لا تتأخر الكويت تنموياً، وهو ما يضاعف المسؤولية على رئيسي الحكومة ومجلس الأمة بالقيادة المشتركة والتعاون المثمر نحو مستقبل واعد.

وبلا شك أن المسؤولية تضاعفت عشرات المرات على السادة نواب الأمة والوزراء أيضاً في التشريع والرقابة والتركيز على متطلبات التعاون والعمل المشترك نحو معالجة اختلالات وانحرافات تشريعية وتنفيذية، وتعلم الدروس والعبر من الماضي.

ولعلنا لا نبالغ بالجزم أن ظاهرة التململ والتذمر الشعبية قد حان رحيلها من غير رجعة، فقد تلاقت التوجيهات السامية منذ قرار حل مجلس الأمة في 22 يونيو 2022 مع التطلعات الشعبية، بإحداث نقلة نوعية بالتشريع والرقابة والتعاون بين الحكومة ومجلس الأمة.

ومهم بمكان التفرغ النيابي والحكومي للتشريع حسب الأولويات ذات الأهمية القصوى، من دون الإخلال في الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ولم تغفل «وثيقة العهد الجديد» دور الإعلام الحكومي في نقل التحولات السياسية العاجلة، لتصبح بوابة الإعلام شعبية الأبعاد والأهداف، ومرآة للشفافية والتواصل الحقيقي مع الشعب، من دون الاجتهادات العشوائية ولا المحاباة الرسمية والتبجيل في التشخيص والتحليل والتغطية الإخبارية.

إن الحديث في الجانب الإعلامي الحكومي طويل ومتشعب، وقد يحتاج لأكثر من وقفة مستقلة وحيادية ومهنية، بهدف نقل كافة الآراء الشعبية وترجمة مضامين التوجيهات السامية ضمن نطاق تنفيذي غير تقليدي، يركز على دور مؤسسات المجتمع المدني والشعب في البناء والتطوير.

وبالنسبة للجان البرلمانية المؤقتة، البالغ عددها 13 لجنة، فجلّ ما نخشاه إرهاق مجلس الأمة والحكومة في أعمال واجتماعات كان ممكن اختزالها في عمل لجان دائمة لمزيد من التركيز، وعدم التشتيت التشريعي والرقابي والتفرغ للأولويات التشريعية التنموية والإصلاحية.

من النطق السامي يمكن أن نضع في الاعتبار الخصوصية المحلية للوضع السياسي في الكويت، الذي جاء كنتيجة حتمية للنظام الدستوري في عام 1962، وأهمية المحافظة على كل سمات هذا النظام وتطوره والإصلاحات المأمولة تشريعياً من قبل الحكومة ومجلس الأمة.

إن «وثيقة العهد الجديد» لم تعد قولاً، بل فعلاً وقراراً تاريخياً بانتشال الكويت من التجاذبات السياسية والصراعات، لبدء مرحلة النهوض بالدولة نحو استدامة البناء والتطوير بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني، من دون التباكي على الماضي ولا الدخول في مماحكات المقارنة.