تعتبر الثقافة سلاحاً قوياً بأضعاف المرات من الأسلحة العسكرية بسبب حجم التأثير في المجتمعات ودورها في صياغة رأي عام مستنير يرتكز إلى قواعد التنوع الثقافي والتعددية الفكرية والانتشار بين الشعوب عبر نوافذ الثقافة والفنون والآداب.

فالإشعاع الثقافي ينير دروب الاستنارة والتفكير العقلاني والتخطيط البنّاء للنهوض بالدول نحو ثقافة متجذرة وقواعد فكرية متينة تقوم عليها أسس المعرفة لتطوير الطاقات الثقافية، ولا سيما على مستوى الشباب من أجل تمكينهم من صقل الذات والتعبير عنها بأساليب إبداعية.

تعد الثقافة في دول العالم المتقدم والدول النامية كافة أيضاً هي القوى الناعمة التي تقوم عليها الأركان الأساسية في تكوين العمقين الفكري والثقافي والثقل السياسي للدول والشعوب كركيزة في عمليات التطوير السياسي والاجتماعي والازدهار لتلك القوى الناعمة.

ويستثني من استدامة التطور الثقافي ببعض الدول ومنها الكويت، حين تنحرف فيها العديد من القرارات وتنحسر فيها الاهتمامات بالثقافة والإعلام بسبب سطحية مستوى التخطيط وتواضع القرار الحكومي خصوصاً على الصعيد السياسي نتيجة تعسف أغلب الجهات المهيمنة على الثقافة والإعلام والإهمال المتعمد لهما!

حَسَم النطق السامي في افتتاح مجلس الأمة مؤخراً معاناة ثقافية وإعلامية تاريخية، حيث انطلقت التوجيهات نحو انفتاح الإعلام الحكومي على الشعب كنافذة مهنية محايدة في التحليل والتشخيص وتطوير السياسات والخطط الإعلامية نحو الشفافية وليس المحاباة للقرارات والسياسات الحكومية والبرلمانية.

ولعله يمكن القول إن هذا الانفتاح والتحول الإعلامي الحكومي المأمول وفق التوجيهات السامية يتطلب التفكير والتخطيط على نحو غير تقليدي خاصة على المستوى الثقافي لتستعيد الكويت دورها منارة ثقافية رائدة تستمد قوتها من تاريخ ثقافي متجذر.

شهدت الثمانينيات آراء حصيفة من مراجع ثقافية لمنح الاستقلالية للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ليصبح تابعاً لمجلس الوزراء وليس لجهة وزارية ولحمايته من تجاذبات سياسية من شأنها التطويق بقيود التخلف بدلاً من التقدم والتطور، لكنها مقترحات تعثرت في مهدها لأسباب يطول شرحها.

بلا شك أن النطق السامي الأخير يشكل دعماً منهجياً لآراء الثمانينيات الثقافية ذات البصيرة والتفكير فيها لمنح الاستقلالية للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ونقل تبعية تلك المظلة الثقافية إلى مجلس الوزراء تحقيقاً للنهوض بالثقافة في الكويت كما عهدناها تاريخياً.

والمحافظة على الثقافة في الكويت ممثلة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تستوجب اختيار قياديين ذوي صلة وثيقة بالثقافة وقادرين على النهوض بالمجلس كمنبر للثقافة في الكويت بعيداً عن التنفيع الإداري والمحاصصة على حساب تاريخ ثقافي ثري للغاية ومستقبل واعد مُنتظر.

نتمنى من سمو رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد تبني فكرة استقلالية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وبلورتها من أجل كويت الماضي واليوم والمستقبل واختيار قياديين قادرين على النهوض بمنارة الثقافة والحفاظ عليها وتطويرها نحو مستويات متقدمة.

فعلى عكس ما نصبو إلية ثقافياً، قدم الأمين العام بالإنابة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب د.عيسى الانصاري مثالاً مُخيباً عن المعرفة والقراءة حين أصدر «نصيحة» صادمة عن تجربة شخصية متواضعة وغير ناضجة فكرياً تتعلق بقراءة لقشور «روايات تولستوي».

ففي إحدى الأمسيات برابطة الأدباء قبل أيام زعم القيادي د.عيسى الأنصاري بالمجلس الوطني، منبر الثقاقة، بأنه يقدم «نصيحة» للمهتمين بالقراءة بتأجيل القراءة لروايات تولستوي تفادياً للصدمة والندم كما وقع فيها شخصياً على حد تعبيره!

قدم د. الأنصاري فيما أحسب رأياً لا يليق بالمجلس الوطني ولا بالثقافة عموماً، ولعل هذا ما يؤكد أن مثل هذه الآراء لهذه القيادات من شأنها أن تسيء إلى منارة الثقافة ولا تتناسب مع التطلعات المأمولة بإنقاذ الثقافة من الأصوات الدخيلة على الثقافة في الكويت.

لعل خير بداية في إعادة النظر في قياديي المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب من أجل تكوين قوى ناعمة ذات قواعد متينة لا علاقة لها بالأصوات الدخيلة والمثقلة بالتخلف، لتطعيم المجلس بقياديين مستنيرين ثقافياً وفكرياً.

ومهم أيضاً مراجعة مجلس الوزراء ملفات بعض القياديين المكلفين بوزارة الإعلام قبل التثبيت، خصوصاً من وردت عليهم مخالفات ديوان المحاسبة، والتي أكدها تقرير لجنة حماية الأموال العامة رقم 16 لسنة 2017 قبل أن تتحول هذه التعيينات إلى أزمة سياسية بين الحكومة ومجلس الأمة.

فمن الضروري إعادة التدقيق بإجراءات وزارة الإعلام بشأن مخالفات بعض القياديين بوزارة الإعلام، التي انحرفت عن التوصيات ذات الصلة لمصلحة تبرئة ساحة البعض كما برهنت عليها قرارات انتقائية وفق مستندات رسمية وغير صحيحة إجرائياً!