في مؤتمرين حضرت ممثلًا عن جامعة الدول العربية في أوزبكستان، وطاجاكستان وهما بلدان أسيويان، حيث تمت مناقشة الكثير من القضايا السياسية التي تهم الدول الأعضاء وتهم العالم خصوصًا في هذا العالم المليء بالتناقضات وبالأخطار المحدقة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا مع التوجه نحو المستقبل بما يحمله من آمال ورؤى لكي يكون المستقبل أفضل للأجيال التي ستأتي ويكون الطريق ممهدًا، في خضم هذا الزخم السياسي.

كانت الثقافة حاضرة فلم ينسَ المنظمون في هاتين الدولتين أهمية الثقافة في تقريب الشعوب، ففي دار الأوبرا تمت دعوة الوفود لحضور حفلات موسيقية غنائية ثقافية قبل المؤتمر وفي أثناء المؤتمر إيمانًا بهذه الشعوب بأن لديهم من الفنون ما يتباهون به، ويقدمونه لزوارهم مع الحرص على نقل فنون القارة في حفل يضم مختلف ألوان الطيف الثقافي وكأن المنظمين يريدون أن يرسلوا رسالة مفادها إن ما تفرقه السياسة يجمعه الفن وعلى رأس هذا الفن الغناء والموسيقى الشرقية والتاريخ الممتد والمشترك مع الحرص على أن الثقافة هي الأدوم في العلاقات بين الشعوب ولا غرابة أن وجدنا التشابه في الثقافة والفنون والغناء، وإن اختلفت اللغة ولكننا وجدنا بعض الكلمات العربية التي وجدت طريقها إلى لغتهم، والفضل في ذلك يعود إلى القرآن الكريم، والهجرات والأسفار والتواصل الحضاري على مدى عقود من الزمن.

إن الاهتمام بالثقافة بكل مكنوناتها كفن الغناء، والشعر، والفنون التشكيلية والمخزون التراثي عناصر أساسية في تقريب الشعوب بعضهم بعضًا، وقد أحسنت بعض الدول في أزمان مختلفة بإقامة مهرجانات دولية لفنون الشعوب المختلفة وكانت تلقى الصدى الطيب، بالإضافة إلى الإقبال الجماهيري عليها وكانت تنقلها عبر وسائل الإعلام في وقتها، ما أدى إلى التحلق حولها ومعرفة أنواع هذه الفنون.

إن الثقافة هي هوية الشعوب ونحن في مملكة البحرين ولله الحمد لدينا من الفنون والثقافة ما نفخر به ويشكل هوية المواطنين، تأثرنا بالفعل ببعض مفردات هذه الثقافة وبالمقابل أثرنا من خلال موروثاتنا الحضارية على شعوب تقاسمنا معهم الآمال والأهداف والغايات.

الحرص على تنمية الثقافة لا يقل عن الحرص على التنمية الاجتماعية والإقتصادية والسياسية؛ لأن الثقافة هي من نسيج الشعب، ومهما اختلفت أقطارنا فإننا نفخر بالموروث الثقافي والحضاري الذي تتمتع به الشعوب العربية.

صحيح أن هناك أولويات والكل يجمع عليها سواء في نصيبنا في العيش الكريم وتحقيق المصلحة الشخصية لكل منا إلا أن الثقافة أيضًا هي لا تقل أهمية من حيث بناء الشخصية والإنتماء الوطني، فالانتماء لا يتجزأ وقد لمسنا ذلك في أسفار الأجداد والآباء إلى بلدان زاروها من أجل طلب الرزق إلا أنهم تأثروا بالفنون والثقافة في البلدان التي زاروها، أخذوا منها نعم لكنهم كيفوها لما عندهم من موروث حضاري.

إن الكلام عن الثقافة يستلزم منا أن ندخل في مناهجنا التعليمية والتربوية قيم الثقافة وأنواعها المتعددة ونسعى جاهدين لإقامة مهرجانات سنوية أو فصلية نبرز فيها فنونا المتعددة، ونأخذ بأيدي فنانينا للإبداع في مجال الغناء والتشكيل والشعر.

نعم كانت لنا تجربة الإحتفال بمهرجان التراث وبيوم الموسيقى العالمي وكانت لنا تجربة رائدة في معرض الفنون التشكيلية السنوي، ولدينا متحف البحرين الوطني الذي يشهد بعمق الحضارة والتاريخ والتراث الشعبي، وعندنا شباب واع مدرك لدوره الثقافي ونشد على أيديهم ونبارك لهم مساعيهم الصادقة والأمينة في نقل ذلك إلى أجيال تستحق منا أن نوليها العناية الفائقة...

أتذكر تجربة افتتاح متحف البحرين الوطني في 15 ديسمبر 1988م عندما تم الاتفاق مع مصر والعراق في جلب بعض مقتنياتهم الآثارية وعرضها بالمتحف الوطني بمناسبة الإفتتاح، لتبقى الآثار لمدة ستة شهور، وكان لذلك الصدى الطيب في نفوس زوار المتحف..

إن الانفتاح على الثقافة وخصوصًا الذين نتشارك معهم في مفردات الثقافة ضروري وحتمي، ونحن على ثقة بأن سعادة الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار لما يملك من تجربة وخبرة وعلم قادر في أن تشهد الثقافة زخمًا تستحقه مملكة البحرين.

إن التواصل الثقافي يخلق التفاهم بين الشعوب ونحن بأمس الحاجة في هذا العالم المتغير أن نشحذ الهمم ونستفيد من كل الطاقات الإبداعية في مجالات الفنون المتعددة.