شاهدت صورتها للمرة الأولى وأنا في المرحلة الابتدائية حينما تحدثت عنها مجلة الكواكب المصرية بفخر بمناسبة مشاركتها لعمر الشريف (توفي 2015) وسامية جمال (توفيت 1994) في فيلم موعد مع المجهول الذي انتج عام 1959 من اخراج عاطف سالم. وقتها كانت هناك وحدة سياسية اندماجية بين مصر وسوريا باسم الجمهورية العربية المتحدة. وهذا الكيان الوحدوي الذي حول سوريا من جمهورية مستقلة إلى مجرد إقليم جنوبي تابع لمصر سمح للعديد من الفنانين السوريين بدخول مصر لتجريب حظوظهم في الفن دون أي إشكالات، على اعتبار أنهم يتنقلون في الوطن الواحد.

كانت فاطمة توركان شوكت، التي اختار لها المخرج عاطف سالم (توفي 2002) اسما فنيا هو «هالة شوكت»، إحدى هؤلاء السوريات، علمًا بأن شهرتها كفانة مسرحية بدأت في سوريا في منتصف الخمسينات، وكانت زيارتها الأولى لمصر في عام 1959 أي بعد قيام الوحدة بسنة تقريبًا، لما تيقنت أن جمالها وموهبتها وما صاحب ذلك من لفت الأنظار إليها سوف يفتح الأبواب لها في مصر على مصراعيها. ويقال إن فاتن حمامة لما رأت صورتها لأول مرة قالت إنها خطرة على السينما المصرية بسبب جمالها.

ولدت هالة في مدينة درعا السورية الجنوبية في 18 مارس 1930 لعائلة من جذور تركمانية، لذا أجادت التحدث باللغة التركية. في مصر مثلت ابتداءً في فيلم موعد مع المجهول بطلة رئيسة، ثم عادت إلى دمشق بسبب حنينها إلى وطنها الأم، وهي منتشية بهذا العمل، لكنها سرعان ما عادت إلى مصر في عام 1960 لتقدم فيلما عن الوحدة المصرية السورية من بطولة وإخراج حسين صدقي (توفي 1976) تحت عنوان «وطني حبي». في هذا الفيلم أدت هالة دور الصحفية السورية «قمر» التي تطارد رئيس البعثة العسكرية المصرية البكباشي أركان حرب وحيد عبدالكريم (حسين صدقي) من أجل إجراء حوار صحفي.

وسرعان ما انفضت الوحدة السورية المصرية عام 1961 لتعود هالة إلى سوريا وتواصل من هناك مسيرتها الفنية. لم تعرف هالة السينما السورية إلا في عام 1965 حينما التقت مع دريد لحام وقدمت معه فيلم «لقاء في تدمر» ثم فيلم «المليونيرة» في العام التالي، وهما الفيلمان اللذان دخلت بهما عالم النجومية والشهرة في وطنها، ما أتاح لها خوض التجربة الدرامية بثبات في عام 1969 حينما شاركت في مسلسل حمام الهنا الكوميدي من بطولة دريد لحام ونهاد قلعي (توفي 1993). وفي عام 1975 عادت إلى مصر مع بعض الفنانين السوريين لتمثيل فيلم الخاطئون من إخراج سيف الدين شوكت (توفي 1977) وبطولة نيللي حيث أدت فيه دور الراقصة الفاتنة «سلمي» زوجة العجوز البخيل «منصور» (عبداللطيف فتحي). وفي عام 1979 سجلت أهم حضور فني لها عندما لمعت في المسرحية الخالدة «كأسك يا وطن» من تأليف محمد الماغوط (توفي 2006) وإخراج دريد لحام.

من أفلامها غير المصرية: سائق الشاحنة / 1966، غزلان / 1969، اللص الظريف / 1970، جسر الأشرار / 1971، الثعلب / 1971، مقلب من المكسيك / 1972، الزائرة / 1972، ذكرى ليلة حب / 1973، زوجتي من الهيبيز / 1973، الحب المزيف / 1980، القادسية / 1981، بنت شرقية / 1986، وسواقة التاكسي / 1989.

أما في مجال الدراما التلفزيونية، فعلاوة على ما سبق ذكره، حققت توهجا من خلال مشاركتها في أول أجزاء سلسلة «مرايا» مع ياسر العظمة. وبمرور الوقت وتقدم سنها وتواري جمالها ارتضت القيام بأدوار الأم في أعمالها الدرامية، منها: العريس / 75، الأجنحة / 83، حارة نسيها الزمن / 88، أيام شامية / 92، يوميات جميل وهناء / 97، العبابيد / 97، ومسلسلات «الجمل» و«عودة غوار» و«الفصول الأربعة» و«حي المزار» و«تلك الأيام» في عام 1999، الخوالي / 2000، وورود في تربة مالحة / 2002، وأبو المفهومية / 2003، وبقعة الضوء / 2003، وعشتار / 2004، وليالي الصالحية / 2004، وكسر الخواطر / 2006.

كانت هالة شوكت تسكن في بيت أنيق في حي المزرعة بدمشق، لكنها أعطته لابنها وانتقلت لتقطن في دار السعادة للمسنين، وقالت في أحد لقاءاتها: «لقد تبدل الحال، كبرنا بالسن وأصبحنا بحاجة إلى رعاية ومتابعة أشخاص آخرين، والحمد لله على أنه ينعم علينا بالصحة والعافية. بيتي القديم سكن فيه ولدي وأنا أزوره باستمرار أي ليس هناك مشكلة، وهو خياري، وللعلم هذه الدار ليست رخيصة لكنها مكان مثالي لتكون دارًا للمسنين الذين لا يستطيعون خدمة أنفسهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن في الدار خدمة صحية على مدار الأربع والعشرين ساعة، والحمد لله لا أشعر بالعزلة أبدًا، صار لدي صداقات كثيرة فدائمًا هناك أشخاص أزورهم ويزورونني». وقد أكدت في لقاء صحفي نشرته صحيفة البيان الإماراتية أنها تتحمل وحدها نفقات إقامتها في دار المسنين، ولا تستلف لتعيش ولا توجد لديها مشكلة مادية، ولن ترضى أن ينفق أحد عليها قرشًا واحدا. أما مديرة الدار ميساء شعبان فقد قالت عنها: «هالة شوكت إنسانة مسالمة تعيش بهدوء، وتحب من حولها، وهي اجتماعية تفرح بزيارة زملائها وأصدقائها من الفنانين والذين تابعوا زيارتها، مثل دريد لحام وأسعد فضة ومنى واصف ولينا باتع».