أثبتت الزيارة التي قام بها رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ، إلى المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، وما رافقها من قمم سعودية صينية، وخليجية صينية، وعربية صينية، أن منطقة الخليج تقود نمو العلاقات العربية مع الجانب الصيني برؤية استراتيجية، تجسّد تطلع دولها إلى تنويع شراكاتها العالمية، لتشمل مختلف القوى الاقتصادية المؤثرة والملتزمة بتوازن المصالح والتهيئة لتحقيق تنمية يستفيد منها الجميع. وقد بدأ التوجه نحو الارتقاء بالعلاقات الخليجية مع الصين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية لدى الإمارات التي استقبلت شي جين بينغ عام 2018، وهي الزيارة التي رسخت التعاون بين البلدين ليشمل إلى جانب الطاقة قطاعات أخرى مثل الفضاء والذكاء الاصطناعي والاتصالات والتعليم والابتكار والتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية.

وما يؤكد ريادة دول الخليج في الانفتاح على تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين الأرقام التي تكشف عن حجم التبادل التجاري بين الجانبين الخليجي والصيني، والتي بلغت 180 مليار دولار أميركي في العام 2019، مع استمرار مؤشرات جذب الاستثمارات الصينية، التي بلغ نصيب السعودية منها خلال السنوات الماضية 21% وفي المرتبة الثانية خليجياً دولة الإمارات التي حازت على ما نسبته 17%.

وتبقى المستجدات في سوق الطاقة العالمي من أبرز مجالات التعاون بين دول الخليج والصين، في ظل حرص دول المنطقة على الاستفادة من حاجة السوق الصينية للنفط، إلى جانب الحفاظ على مستويات من الاستقرار في هذا القطاع تدعم زيادةَ موارد الدول المصدّرة، وتحمي استقرار السوق العالمي بعيداً عن ربط الأسعار برغبات دول أخرى تتصادم مع مصالح شعوب الدول المنتجة.

ولا يمثل التعاون بين دول الخليج والصين تخلياً عن العلاقات مع بقية دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي وجّه رئيسُها جو بايدن بالتزامن مع زيارة الرئيس الصيني للمنطقة شكره لدولة الإمارات، بمناسبة نجاح الوساطة الإماراتية السعودية المشتركة التي قادها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية، وأثمرت الإفراجَ عن مسجونين اثنين وتبادلهما بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية.
وإلى جانب النجاح الذي تحققه الدبلوماسية الإماراتية في ظل سعي الدولة وحرصها على توازن علاقاتها وتحقيق مصالحها، بالتعاون مع مختلف دول العالم، تزداد العلاقة الاستراتيجية مع الصين رسوخاً، وتمثل امتداداً لجهود بدأت منذ انطلاق منتدى التعاون الصيني العربي في عام 2004.


وبالنظر إلى حجم التبادل التجاري بين العرب والصين الذي بلغ 330 مليار دولار أميركي عام 2021، وجدت دولُ المنطقة في المبادرة التي أطلقتها الصين في عام 2013 باسم «الحزام والطريق» آلية ممتازةً لتنمية العلاقات الصينية العربية وتطويرها، وهي تكشف عن طموح الصين التجاري الذي لا يتناقض مع مصالح 20 دولة عربية تقع ضمن نطاق مشروع المبادرة، وسيوفر لها الاشتراك في هذا المشروع الاستراتيجي العديدَ من الفرص والمزايا التنموية المستقبلية التي تخدم شعوبَها.

وما يحفز على تعزيز مجالات التعاون مع الصين وتطوير مؤشرات نموها من خلال المزيد من الاتفاقيات، أن خطاب الجانب الصيني يتبنى مفهومَ الشراكة في التنمية التي تحقق مصالح مختلف الأطراف، وفي ظل ما حققته الصين من حضور في الاقتصاد العالمي على كافة المستويات، لا يمكن للعرب أن يفوّتوا فرصةَ التعاون مع شريك يتميز مشروعُه بالطموح والإمكانات الهائلة والاستعداد للاستثمار بعيد المدى في البنية التحتية التي يكفل تطويرُها المزيدَ من الازدهار والنمو والاستقرار لشعوب المنطقة.