إذا سمعت كلمة «ثروة» فما أول شيء يتبادر إلى ذهنك؟ من المؤكد سيكون تفكيرك عن الأموال والمجوهرات والعقارات والممتلكات وأرصدة البنوك وكافة الأصول الثمينة الملموسة، وإذا كان السؤال عن «الثروة الوطنية» فإن الذهن يذهب مباشرة إلى البترول والمقومات الاقتصادية للدولة.

كل هذا حقيقي، لكن هناك شكل آخر من الثروة يجب الالتفات له، إنها ثروة بداخلنا يمكن تحويلها إلى أصول ملموسة إذا أحسنا استثمارها، إنها «الأفكار»، والأمثلة أمامنا كثيرة، فكم من فكرة في ذهن طالب تحولت إلى مشروع أو موقع إلكتروني أو منصة، ثم إلى شركة بها آلاف الموظفين تصل قيمتها الآن إلى مبالغ تساوي أو تزيد على ميزانيات بعض الدول.

فما الذي ينقصنا لامتلاك مثل هذه النماذج والانتقال إلى مرحلة الاقتصاد المعرفي، القائم على الإبداع والابتكار والأفكار الخلاَّقة؟ بل والتميز في هذا المجال كما تميزنا في الكثير من المجالات.

خلال الأيام الأخيرة تم الإعلان عن إطلاق «الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية»، وهي ليست الخطوة الأولى للمملكة في تعزيز حماية الملكية الفكرية، ولكن سبقها إنشاء الهيئة السعودية للملكية الفكرية، والانضمام إلى العديد من الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بهذا المجال، لعل من أبرزها اتفاقية التعاون بشأن براءات الاختراع، وكل ذلك يساهم في تهيئة وتنظيم البيئة المناسبة لحماية حقوق الملكية الفكرية واستثمارها.

فكما تحتاج الثروات التقليدية إلى حماية تسمح بتنميتها وأنظمة تساعد على نموها واستثمارها على الوجه الأمثل، فإن الأفكار كذلك تحتاج إلى حماية وتعزيز واستثمار، ومن هنا جاءت فكرة «حماية الملكية الفكرية».

فكل الدول لديها مبدعون وأفكار ملهمة، ولكن الفارق بين الدول المتقدمة والنامية يكمن في بناء الدول لسياسات إستراتيجية خاصة بالملكية الفكرية ضمن خططها للاستفادة من الثروات المعرفية لشعوبها، وجذب الاستثمارات المحلية والعالمية في هذا المجال.

ولا أبالغ إن قلت إن المملكة العربية السعودية من أكثر دول العالم امتلاكًا للمبدعين والمبتكرين وأصحاب الأفكار الخلاَّقة، بسبب البيئة التي تربوا فيها وارتفاع المستوى التعليمي وفرص الابتعاث والاطلاع على تجارب الدول الأخرى، فكل ذلك ساهم في تكوين شخصيات شبابنا وبناتنا، كما أن بيئتنا الاستثمارية جاذبة، بل إنها من أكثر البيئات مقاومة للصدمات والأزمات الاقتصادية وهذا ما اتضح خلال الفترة الأخيرة.

من هذه المعطيات نتأكد أن إطلاق «الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية» جاء في وقته تمامًا لتشجيع المستثمرين ومنح الفرصة للمبدعين وحماية حقوقهم، تحقيقًا لأحد أهداف رؤية المملكة 2030 نحو اقتصاد مزدهر يقوم على استقطاب أفضل المواهب، وجذب المزيد من الاستثمارات العالمية.

أما الآن وبعد تهيئة البيئة المثالية لحماية حقوق الملكية الفكرية تشريعيًّا وتنظيميًّا، لم يبق لنا إلا نشر الوعي لفهم طبيعة الدور الذي تؤديه الملكية الفكرية في النهوض بتكوين الثروات، وأن يبادر الأفراد والشركات للاستفادة من «أداة الملكية الفكرية» في تحقيق النجاحات والاستثمارات.