مع إشراقة العام الميلادي الجديد (2023) أقولها وبكل صراحة بأن العالم سقطَ في اختبار إعادة الثقة به؛ فقد فشل في حماية البشرية بسبب ما تتعرض له التربة من دمار ومجابهة التغيير المناخي بسبب مصالح الدول التي طغت على مصلحة مستقبل البشرية في المناقشات العقيمة التي دارت خلال جميع القمم العالمية المعنيّة بالمُناخ، وأخفق العالم في تحقيق مبادئه التي صاغها رجال ومفكرون بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من أجل بناء عالم آمن ومستقر، بسبب:

1. الفشل الذريع للأمم المتحدة في إدارة القضية الفلسطينية رغم عدالتها، واستخدام الدول الكبرى لحقّ النقض (الفيتو) ضد كل قرار من شأنه التوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي، والذي استخدمته الإدارة الأمريكية أكثر من (43) مرة منذ تأسيس الأمم المتحدة.

2. الحرب الروسية الأوكرانية التي مازلت تهدِّد باندلاع حرب نووية في أيّ لحظة؛ حيث لا يمكن للأمم المتحدة فَرض حلول لوقف أو إنهاء الحرب لأن أحد طرفيها هي دولة عُظمى (روسيا) التي هي عضو مؤسس للأمم المتحدة وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي!

3. التغيير المناخي الذي أصبح هاجسًا يدقّ ناقوس الخطر نحو الفَنَاء التدريجي للبشرية بسبب التلوث الكبير الذي يتعرَّض له العالم يوميًا وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض والانبعاثات الكربونية التي يترتَّب عليها العديد من الأضرار الخطيرة، حيث لم يتمّ تنفيذ أيّ خطوة من الخطوات المهمة جدًا في هذا الشأن لما تتطلَّبه من تنازلات وإعداد سياسات وزيادة الوعي البيئي بين الأمم، فجميع قمم المناخ لم تحقّق إلا النذر اليسير لمواجهة هذه المشكلات العظيمة التي تهدِّد البشرية وتحتاج لوعي عالمي وبذل جهود عالمية حقيقية وملموسة خصوصًا من الدول الكُبرى، واستغلال الفرصة الذهبية القادمة في مؤتمر المناخ (كوب 28) الذي سيُعقد في دبي في (نوفمبر 2023م) للوصول إلى حلول سريعة ومُتوافق عليها بين الجميع لحل أزمة المناخ.

مؤشرات وأدلة كثيرة وواضحة تُثبت أن العالم تعثَّر في امتحان الثقة وانهارت مبادئه، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التي تتشدق جميعها بالدفاع عن حقوق الإنسان، حتى أباحت كل ما يتعارض مع الأديان السماوية ومع الفطرة الإنسانية السويّة التي جُبل عليها الإنسان، كتبنّيها الدفاع عن (حقوق الشواذ)، ورأت بأنه باستطاعتها فَرض تلك القضايا الخلافية الشاذة على الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، وتصوَّرت أنها قادرة على جرّ العالم إلى الشذوذ علنًا، فحاولت تصديره إلى عالمنا العربي الإسلامي بإرسال «بالونات» اختبار لتبسيط الأمر وجعله مألوفًا بين أوساط الشباب والأطفال، فرفعت عَلَم الشواذ على مباني سفاراتها خلال شهر (يونيو 2022م) الذي تمَّ تحديده للاحتفاء بهذه الفئة الشاذة، وحاولت ذات الأمر خلال فعالية كأس العالم في الدوحة، في تصرُّف مستفز وتدخل صارخ في معتقدات الشعوب، وهو أمر لا يمكن التراخي فيه ويجب وقفه بقوة وحسمه دون تردّد حتى لا تعتقد الجمعيات الحقوقية المدنيّة الأوروبية وغيرها أن الأمر ليس سوى مسألة وقت ويمكن أن تتقبَّله الدول العربية والإسلامية ضمن اتفاقيات دولية صادرة عن الأمم المتحدة أو مجلس حقوق الإنسان، فما يُثير التناقض في العلاقات الثنائية بين الدول خاصةً الولايات المتحدة والدول الأوروبية هو ربط أيّ اتفاقيات تجارية أو اقتصادية بالموافقة على حقوق الإنسان والشواذ، فكيف يمكن أن تنسجم العلاقات الدولية ويتمّ تعزيز التعاون التجاري والثقافي بين الأمم إذا خضعت هذه العلاقات إلى شروط غير أخلاقية؟

ومن هنا يمكن القول، بأن عام (2022م) كَشَفَ السقوط الأخلاقي لبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وأعلن نهضة عربية في دول الخليج العربي، حيث تحوَّلت الرياض ودبي وأبوظبي والمنامة والدوحة والكويت ومسقط إلى منائر تمسك بيدها زمام العالم اقتصادًا وتجارة ومراكز مالية وانفتاحًا عالميًا على كل الشعوب والأديان، وما الزيارة التي قام بها قداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف إلى مملكة البحرين في (نوفمبر 2022م) إلا دليلًا على هذا الانفتاح الحضاري من أجل بناء مجتمعات التسامح والعطاء والحب بين البشر في كافة بقاع العالم.

فقد أصبحت العواصم الخليجية تحكي قصص نجاح مبهرة، فتحوّلت المملكة العربية السعودية وقلب الأمة العربية النابض إلى مركزًا روحيًا ودينيًا وثقافيًا عالميًا كما كانت منذ مئات السنين، واستطاعت إمارة دبي أن تستقطب العالم بمشاريعها الضخمة ومبادراتها المبتكرة لتصبح مركزًا تجاريًا وسياحيًا وتكنولوجيًا لكل ما هو جديد وهدفًا للمستثمرين الباحثين عن فرص استثمار حقيقية بعيدة عن الضرائب التي أرهقت كاهل الأجانب خاصة الأوربيين منهم.

رحل عام (2022م) ونتمنى أن يكون (2023م) بداية جديدة لعالم جميل ومستقبل أجمل للدول العربية التي تراجع بعضها في نفق الظلام ونسيج التطرف الديني فأصبحت اليوم مدن الخوف والدمار في كل المناحي أمام المَدّ الطائفي والمصالح الشخصية الآنية لقياداته الوطنية بعد أن كانت منارات للحضارة والعلم والمعرفة والحب والأمل.