في البدء نحن لا نرى الأشياء كما هي، بل نراها كما نكون نحن! ذلك لأن إدراك الإنسان لما حوله يبقى منوطاً بمدركاته وقدراته الحسية والذهنية، فإنه في الأغلب لا يستطيع أن يحيط بحقيقة الأشياء من حوله بشكل كامل إلا بحدود معارفه وتصوراته ومدركاته لتشكل صورة ما عن تلك الأشياء من حوله، ولهذا كانت الصور الذهنية المرتسمة في الأذهان تبنى على الخبرات والرسائل التي تلقاها الإنسان منذ لحظة ولادته من الأسرة والمؤسسات التربوية والتعليمية والإعلام، وهي استرجاع ما اختزنته أو تخيل ما أدركته بحواسها، من انطباعات وأفكار وتصورات وخبرات وترتبط هذه التجارب بعواطفنا واتجاهاتنا وسلوكياتنا ومعتقداتنا وتوقعاتنا، وسيكون لها أثر على تشكيل صورتنا الذهنية وتحكمها بمشاعرنا وتفكيرنا وتصرفاتنا أثناء اتخاذ القرارات والحكم عليها.
وفي المجتمعات المعاصرة برزت إشكالية الهوية، نجد الأفراد والمجتمعات قد تعيش عوالم متباينة، وحقائق مختلفة تؤمن بها، ومن ناحية أخرى المجتمعات تتشكل ويكون تركيزها على تأكيد هويتها وقد تكون على الجنس أو الدين أو السلالة أو القومية، وهذه الهويات بعكس الصورة الذهنية غير قابلة للتغيير أو التبديل في مواجهة أي تغييرات سريعة، وقد تنتج عنها صراعات عرقية أو سلوكيات مؤذية.
ولهذا يظهر الدور العظيم لرؤية المملكة 2030 في عملية إعادة بناء الهوية الوطنية، من خلال تحسين وتبديل البيئة، والواقع الاجتماعي والاقتصادي، والذي سيبدل الصورة الذهنية، وسيؤدي إلى ناتج مختلف في البناء الاجتماعي مع هوية وطنية تعزز الشعور بالرضا والارتباط والمسؤولية الاجتماعية، واحترام للقانون والامتثال له، والتعاطف والاحترام المتبادل والتعايش. وهي من أهم الأسباب الأساسية التي تعزز التفكير والإبداع والتجديد بين أنماط الإنتاج والتنمية.
إنّ رؤية المملكة 2030 هدفها الأساسي هو تعزيز الهوية الوطنية؛ ولذلك هي لا تنفك عن الصورة الذهنية، فإذا سمعت أو قرأت مصطلح رؤية 2030 فوراً يرتسم في مخيلتك خطط ومشاريع الرؤية والأنظمة التي تشكلت وبدأ العمل فيها منذ إعلان انطلاق الرؤية.
ولذلك كانت أولى خطوات نجاح الرؤية السعودية تكمن بغرس الهوية الوطنية وجعلها تلامس الهوية الوطنية فعلًا، ولو تساءلنا كيف حصل ذلك مع رؤية 2030؟!
غرس الهوية الوطنية السعودية من خلال رؤية المملكة 2030 قد ابتدأ بالتعرف على خصوصية وامتيازات الوطن؛ ومؤهلاته المستقبلية في قيادة العالم، فالهوية السعودية ليست مجرد مساحة جغرافية صامتة أو ساكنة بلا أثر في صناعة الحاضر والتخطيط للمستقبل، وهذا ما دأبت عليه الرؤية!
أنا وأنت كسعودي وسعودية نحمل رسالة سامية وأهدافاً إيجابية نخدم بها وطننا؛ ونهدي للعالم من حولنا أنموذجاً يحمل تاريخنا وثقافتنا وأصالتنا وثروات هذا الوطن العظيم سواءً المادية أو الحيوية، ونحمل في ذات الوقت الرسالة الإسلامية السمحة المعتدلة التي تقدم خير والنفع للبشرية.
وفي ظل التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي ترتكز خططه الكبرى للمملكة على تعبير أكثر وضوحاً عن الوطنية في ظل التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي حققه نجاح رؤية السعودية 2030 كان غرس الهوية الوطنية أولى خطوات نجاح الرؤية السعودية، هذه القيمة الوطنية العليا التي قد ظهرت جلية في كل خطط الرؤية التي رعاها وتبناها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث أعطى للمحيط الإقليمي والدولي فكرة عن النهج السياسي والاقتصادي والرياضي بأن الهوية السعودية لها الأولوية في كل الخطط والبرامج الداخلية والخارجية.
ولهذا نتج عن ذلك تشكُّل الهوية الوطنية السعودية باختلاف جوانبها حول رؤية واحدة تمثلت برؤية سمو ولي العهد 2030 من خلال تحديد نقطة انطلاق فكرية واحدة تتجمع حولها الآراء مهما اختلفت والاتجاهات مهما تباينت، مما يشكل وحدة فكرية بها تستقيم حياة وطن واحد له حدوده التي يتوقف عندها الانتماء، لا أن يكون الانتماء عابراً للقارات والحدود، ولذلك كانت الضرورة لترسيخ الشعور بحس الوطنية وممارسة المواطنة، وعدم السماح لأي شيء يمكن أن يتعارض أو يؤدي إلى تدني شعور الانتماء وتدني روح الرابطة المعنوية مع الوطن، مما يسهل على البعض الانسياق وراء جماعات أو تيارات أو أجندة دول معادية وتمتلك القدرة على تعبئة أولئك فكرياً ونفسياً لمصلحة مشاريعها السياسية المعادية، والتي تستهدف وتمس أمن الوطن واستقراره وتنميته ورخاء شعبه.
تبلور عن ذلك الهوية الوطنية السعودية التي أعادت بناءها رؤية المملكة 2030؛ تلك الهوية التي يتساوى عندها كل كل مواطن ومواطنة دون تمييز مناطقي أو طائفي أو مذهبي أو عرقي، فإن القانون الذي تعمل به الدولة يطبق وينطبق على كل من حمل الهوية السعودية، فكلهم ينتمون لهوية واحدة وتحت راية واحدة وقيادة واحدة، ومشاريع رؤية المملكة 2030 هي خير شاهد على ذلك، فهي قد شملت جميع أنحاء البلاد ومؤسساتها وكل عناصر مجتمعها يشاركون في هذا البناء دون تحديد أو تمييز.
التعليقات