لبنان ودّع شيئاً من نفسه وتاريخه، وهو يودّع الرئيس حسين الحسيني الى مثواه الأخير. رفيق الإمام موسى الصدر الذي كان وراء تعبير "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه". رفيق الشيخ محمد مهدي شمس الدين القائل "ليس للشيعة اللبنانيين مشروع خاص، مشروعهم هو الدولة". صديق البطريرك نصرالله صفير الذي شارك ورفع مظلة بكركي فوق مسودة أفكار واقتراحات صارت في النهاية إتفاق الطائف. ورجل الدولة الذي كان يقول في عزّ الحرب وخصوصاً عندما كان في رئاسة حركة "أمل" إن المطلوب "تواطؤ اللبنانيين معاً لاقتناص فرصة الحل واستقلال القرار". وهو عمل مع شخصيات وطنية على اقتناص الفرصة التي فتحت الباب أمام مؤتمر الطائف في ظروف عربية ودولية ملائمة وداخلية صعبة. وإذا كان اللقب الشائع هو أنه "عرّاب الطائف"، فإنه عملياً أحد "آباء" الطائف لا مجرّد عراب.

كان السيد حسين النموذج الكامل للشخصية اللبنانية التي أدركت منذ البدء مخاطر صراع الهويات الطائفية، ومغالاة البعض في التمايز الطائفي، وانسياق البعض الآخر وراء نموذج "الشيعية الإيرانية" المراهنة على مشروع "ولاية الفقيه". هادئ ومرن مع صلابة وصبر على طريقة أوغسطوس قيصر القائل: "إجعل التعجل بطيئاً". قمة في الرقي واللياقة على الصعيد الشخصي كما على مستوى العمل السياسي. وأين؟ في أيام جعارية السياسة وذئابها والثعالب. علّمته التجارب ما توصّل إليه بالتنظير البروفسور في هارفارد جوزف ناي، وهو أن "السياسة فن لا علم". وأتقن هذا الفن في التواصل مع كل الأطراف. وقضى عمره في خدمة لبنان، من حيث كان كثيرون يريدون أن يخدمهم لبنان واللبنانيون.

لا مكان لليأس عند السيد حسين، ولا مجال لأن يفقد الأمل ويتوقف عن العمل. قرأ "الرسالة" التي جاء بها إغتيال الرئيس رنيه معوض يوم ذكرى الإستقلال. فأدرك "الإنقلاب على الطائف". لكنّه ظلّ يحاول إقناع الشركاء بصنع "معجزة" العودة عن الإنقلاب وتطبيق الطائف نصاً وروحاً. أعلن الإستقالة من المجلس النيابي ثلاث مرات. وكانت الأخيرة عام 2008 إحتجاجاً على "إتفاق الدوحة الذي فوّض ما تبقّى من إتفاق الطائف". غير أن الخروج من المجلس ليس خروجاً من العمل الوطني والحياة السياسية. وإذا كان الطائف هو "إنجازه" الكبير، فإن الإجهاز على أساسه لم يمنعه من مبادرات لتحريك العمل الوطني والمدني على أمل بدء الإنقاذ من القاعدة لبناء مشروع الدولة الوطنية المدنية.

خارج السلطة ظلّ السيد حسين مرجعاً وطنياً، وبقي في ضمير الناس. حتى الذين انتقدوه على رفضه نشر المحاضر المسجّلة لما دار في الطائف، فإنهم فهموا منطقه المتسائل: ما الفائدة من نشر مماحكات هي صورة تعكس ما كان يدور في الحرب من هواجس ومخاوف ومطامح ما دامت الخلاصة هي الإتفاق؟

كان السيد حسين العارف بدقة تركيبة البلد وطبيعته، ومشاعر اللبنانيين يردّد البيت الشعري القائل:

وكيف يتمُّ بَأسُك في أناسٍ تُصيبُهم فيُؤلمك المصابُ.

إنه آخر رجال الدولة من الزمن الجميل.