أشرت أكثر من مرة، إلى أن المملكة لديها تجربة المؤسس في التعامل مع الدول العظمى أثناء المرحلة الانتقالية التي مر بها النظام العالمي خلال الفترة الواقعة بين 1914 و 1945، حيث تمكن صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز - تغمده الله برحمته - بسلاسة من توطيد العلاقة مع الولايات المتحدة، التي كانت تتحول تدريجياً إلى الدولة العظمى القادرة على تزعم العالم، بدلاً من المملكة المتحدة التي بدأ الضعف يدب في جسم إمبراطوريتها التي كانت الشمس لا تغيب عنها.

واليوم يعيش العالم، مرحلة مشابهة. وهذا كان واضحاً خلال الجلسات التي عقدت في منتدى دافوس تحت عنوان "التعاون في عالم منقسم". فالكلمات التي ألقيت فيه، كلها تشير إلى أن العالم يعيش مرحلة انتقالية. ومثلما تدل التجربة السابقة، فإن العالم خلال الفترة القادمة سوف يشهد انقسام خطير، ربما تؤدي الى حروب عالمية، التي لا زال السلاح النووي المدمر للجميع يحول دونها.

وعلى الأرجح فإن الدول العظمى سوف تحاول قدر الإمكان تجنب خوض حرب عالمية ساخنة مدمرة فيما بينها، مستعيضة عنها بحروب اقتصادية ومالية مدمرة. وهذا ما بدأنا نلاحظه، منذ عام 2018، عندما فرضت الولايات المتحدة رسوم تجارية على وارداتها من الصين، وردت الأخيرة عليها بالمثل.

وبصفة عامة، فإن الحرب العالمية بدأت منذ عام 2001، أو حتى قبلها، وهي مستمرة في زيادة التسخين، مثلما نرى على الجبهة الأوكرانية. وربما نشهد خلال الفترة القادمة شيء مماثل حول تايوان. خصوصاً بعد التغيرات الجديدة التي طرأت على مجلس النواب، عقب الانتخابات النصفية وتوجه الجمهوريون الى تشكيل لجنة لمواجهة الصين، واعتبارها المهدد الأول للولايات المتحدة.

ولذلك، فإن المملكة لن تكون بعيدة عن هذه التوترات العالمية. فنحن لدينا تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة وتحالف اقتصادي مع الصين وعلاقة قوية مع روسيا ضمن أوبك+. وهذه الأطراف التي كانت في يوم ما صديقة مع بعضها البعض، قد فرقتها المصالح. وهذا ليس شأن المملكة، التي لا تزال مصالحها تحتم عليها إقامة علاقة قوية مع هذه الدول الثلاث. فالمملكة تحتاج إلى علاقة قوية مع الولايات المتحدة، التي لا تزال تتقدم على جميع منافسيها. من ناحية أخرى، فإن العلاقة مع الصين تصب في مصلحة المملكة، وخاصة قطاع الأعمال الذي يكسب الكثير من علاقاته مع الصين مثله مثل سكان المملكة، الذي يغطون الكثير من احتياجاتهم من السلع الصينية. كذلك روسيا، التي ننسق معها حول العرض والطلب على النفط، الذي لا يزال أهم صادرتنا ومصدر الدخل الرئيس الذي نحصل عليه.

ولذلك، سوف تواجهنا صعوبات نتيجة تبدل العلاقات بين أصدقاء الأمس. ولكن المملكة لديها خبرة المؤسس التي سوف تقودها إلى بر الأمان إن شاء الله.