لا أحد يصدق أن رئيسين لأكبر دولة بالعالم، مؤتمنان ليس على أمن الولايات المتحدة الأميركية فحسب، وإنما على أمن العالم، فإذا بهما يسرقان الوثائق السرية، ويخفيانها في منزليهما، ترمب خلال رئاسته لأميركا، وبايدن حين كان نائباً للرئيس في فترة رئاسة أوباما.

**

يا للهول، كيف يحدث هذا، وما الهدف منه، وكيف هان عليهما أن يأخذا ما ليس لهما به حق، ولا يفصحان عن هذا الحدث الغريب غير المسبوق، وممن، من الرئيس السابق والرئيس الحالي، في ظاهرة لا تحدث حتى في الدول المتخلفة، فكيف يصير هذا في أميركا الدولة العظمى؟

**

فرح أعضاء الحزب الديمقراطي، حين اكتُشِفَ أن الرئيس ترامب يخفي بحوزته مجموعة من الوثائق السرية ويحتفظ بها سراً في دارته في بالم بيتش في ولاية فلوريدا، فتنادى الديمقراطيون إلى ضرورة محاكمته ومنعه من الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة، ووجدوا في هذه الوثائق صيداً ثميناً للإجهاز على طموحات ترامب في رئاسة ثانية.

**

وما كادت العاصفة التي بدأت ولم تهدأ بعد، وفي ظل تصاعد الدعوات الديمقراطية بمنع ترامب من أي فرصة ترشح قادمة تعيده إلى البيت الأبيض، وبالتالي حتى لا يكون مصدر قوة للحزب الجمهوري، حدث ما لم يكن بحسبان الديمقراطيين، فقد أُكتُشِفَ أن الرئيس بايدن لم يكن أحسن حالاً من سابقه، حيث تم العثور على وثائق ومستندات في أحد مكاتبه السابقة في واشنطن وفي منزله في ويلمينغتون بولاية ديلاوير تعود إلى فترة عمله نائباً سابقاً للرئيس أوباما.

**

ومثلما طالب الحزب الديمقراطي بمحاكمة ترامب، ومنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، ها هي قضية الرئيس بايدن مع استحواذه على وثائق سرية هو الآخر يُشعل الحماس لدى الحزب الجمهوري، للمطالبة بمحاكمته وبالتالي عزله من الرئاسة، أي أن حال الرئيس بايدن لن يكون أفضل ولا أحسن حالاً من حال الرئيس ترامب.

**

السؤال: هل تتم مقايضة قضية هذا بذاك، ويتم ردم هذه التطورات بحق الرئيسين، أو يتم التصعيد ويذهبا معاً إلى ما يجعل القانون هو سيد الموقف، فيمنع ذاك من الترشح للرئاسة القادمة، ويتم عزل هذا من الرئاسة الحالية في سابقة لم تشهد الولايات المتحدة مثيلاً لها؟

**

هذا ما سوف تكشف عنه التطورات المتلاحقة، لكن التسويات -بنظري- لن تغيب طالما أن الضرر لحق بكل من الحزبين، كما أن الإدانة وما سوف تفرز عنه لن تصل إلى الحد الذي يجرد فيه ترامب من حقه في الترشح لرئاسة قادمة، وبايدن من استكمال فترة رئاسته الحالية.

**

لقد صدم الشعب الأميركي وهو يرى أن البيت الأبيض مخترق حتى من رئاسته، وأن ما ينبغي أن يكون سرياً، خرج إلى العلن، وقد تصبح المستندات والوثائق خارج سيطرة من سربها، ما يعني أن الولايات المتحدة ليست في هذا أحسن حالاً حتى من الدول الفاشلة في الحفاظ على المستندات ذات السرية والقيمة العالية.

**

لا أتصور عزل الرئيس بايدن، ولا منع ترامب من الترشح للرئاسة، وإذا الفرصة كانت مواتية - ربما - لمنع ترامب من الترشح في ظل فضيحته باكتشاف وثائق غاية في السرية والأهمية في منزله، لكن هذا الاحتمال سقط باكتشاف فضيحة مماثلة لدى الرئيس بايدن، بمعنى أنه لا يمكن عزل هذه الفضيحة عن تلك، طالما أنها تمس الحزبين، ورئيس دولة من كل حزب.

**

لقد عين وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند مدعياً عاماً مستقلاً للتحقيق في قضية الوثائق التي عُثر عليها لدى بايدن، تماماً كما فعل في القضية المماثلة التي يواجهها ترامب، وهو بذلك كمن تعمد أن يبدد الشكوك بوجود ازدواجية في المعايير.

**

لكن المثير للانتباه ما صرح به المتحدث باسم المكتب الاستشاري للبيت الأبيض إيان سامز من أن أعضاء الحزب الجمهوري يفتقدون إلى المصداقية، وأنهم يُبدون من قضية بايدن غضباً مصطنعاً لتحقيق مكاسب حزبية، ونسي أن الديمقراطيين فعلوا الشيء نفسه مع قضية ترامب، ومارسوا غضباً مصطنعاً لتحقيق مكاسب حزبية، إذا أخذنا تصريح إيان سامز (المرتبك) على محمل الجد.

**

لكن لنرى ماذا سيحدث، فأميركا على موعد مع انتخابات رئاسية ونيابية ولمجلس الشيوخ، وكل حزب سوف يستخدم قدراته في كسب الأصوات، وسوف تلقي الفضيحتان ظلالهما على أجواء الانتخابات، غير أن ما يعزز فرص ترامب للترشح ما تم اكتشافه من وثائق وجدت في منزل بايدن ومكتبه السابق، وبالتالي فإن فرص ترامب قائمة في العودة إلى البيت الأبيض، خاصة وهو يستحوذ على أصوات عالية ممن يحق لهم التصويت.