في 28 يناير من العام الحالي، قامت وزارة الشؤون الإسلامية بحملات تفتيشية على مساجد مخالفة، وقد رافقتها قناة الإخبارية السعودية واستهدفت تحديداً ثلاثة مساجد في مدينة جدة (غرب السعودية)، وغالبية الإعلام الناطق بالعربية حول العالم تناول ما قامت به الوزارة بتفاصيله، وفيها أن أئمة ومؤذني هذه المساجد استغلوا مرافقها وتربحوا من ورائها، وبما قيمته 133 ألف دولار في العام الواحد، وذلك بتحويل المرافق إلى شقق وغرف ومدرسة لجالية أجنبية، ومن ثم تأجيرها على العمالة الوافدة، واستغلال المساحات المحيطة بالمساجد في بناء مغسلة ومحال تجارية عليها.

هؤلاء، كما قالوا، يسلمون إيجاراتهم الشهرية لإمام المسجد، وقد تم إيقاف الخدمات عن واحد من المساجد لأسباب وجيهة، فقد وصلت قيمة استهلاك الكهرباء فيه إلى 800 ألف دولار والمياه لقرابة 160 ألف دولار، وفي الحالة الثانية قام الإمام بتكليف أجنبي مجهول الهوية لجمع التبرعات من المصلين، بحسب الإخبارية، وأفهمهم أنه سيحضر بها صهريجاً لتعبئة خزان المسجد، مع العلم أن وزارة الشؤون الإسلامية تتكفل بدفع خدمات الكهرباء والماء للمساجد من المال العام، والحملات، في اعتقادي، بدأت أعمالها بعد هذه المخالفات الكبيرة، ولأن المسؤولين عنها ممن يفترض فيهم الأمانة والثقة.

وزارة الشؤون الإسلامية تقدم مكافآت شهرية للإمام والمؤذن وخادم المسجد، ويأخذ الأول في حدود 800 دولار لما دون الجامعي و1100 دولار للجامعي والثاني 373 دولاراً والثالث 320 دولاراً، وفي المقابل يستلم أئمة ومؤذنو الحرمين الشريفين رواتب لا تزيد على 2200 دولار للإمام و1400 دولار للمؤذن، والحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص بالمملكة يصل إلى 1100 دولار، والوزارة ترغب في توطين العاملين في المساجد، بحيث يصبحون موظفين، وهو مستهدف نبيل ومطلوب، ولكن احتمالية حدوثه صعبة بالنظر لرواتب الوزارة المتواضعة، وأيضا في ظل اعتماد مسؤولي المساجد على وظيفة ثانية كمصدر أساسي لدخلهم الشهري، حتى أئمة الحرمين أنفسهم، ورغم معقولية مكافآتهم، يعملون كأعضاء هيئة تدريس في جامعات مكة والمدينة والطائف، بجانب عملهم في الإمامة.

ما أود قوله إن سماحة المفتي السابق الشيخ الجليل عبد العزيز بن باز، أجاز لإمام المسجد أن يؤجر السكن المخصص له ويستفيد من إيجاره، إذا كان لديه سكن آخر مستقل، فالسكن، من الأساس، وضع لمنفعة الإمام الشخصية، والشيخ ابن باز، كان من بين أوائل المؤيدين لعدم استخدام مكبرات الصوت في المساجد أثناء الصلاة، لأن الصلاة، في رأيه، خاصة بالناس الموجودين في المسجد دون غيرهم، مع ملاحظة أن وزارة الشؤون الإسلامية سمحت لغير السعودي أن يحل محله في صلاتي الظهر والعصر، مراعاة لأوقات الدوامات والانشغالات، بالإضافة إلى أن نظام الأئمة والمؤذنين وخدم المساجد وفي المادة التاسعة منه، يجيز تعيين الأجانب المقيمين في وظائف المساجد، بشرط استحالة شغلها من قبل سعوديين.

يوجد في المملكة 86 ألف خطيب وإمام مسجد، و300 داعية مرخص يسمح باستضافته في المساجد، ويمكن إدخال أسماء جديدة على القائمة بعد خضوع المتقدم لمسح فكري وأمني، ويأخذ في حال اجتيازه صفة داعية أو خطيب متعاون، والوزارة تشترط في الخطباء والدعاة تحديدا أن يكونوا من أصحاب التخصصات الشرعية، ويضاف إليها 90 ألف مسجد من بينها 15 ألف جامع، والوزارة لديها وفرة في الوظائف؛ فقد وظفت خلال الفترة الماضية 73 ألف شخص من الجنسين، وأحوالها المالية جيدة بعد توفير ما يزيد على مليار وثلاث مئة مليون دولار وتوظيفها في تسديد ديون الوزارة، والأنسب أن يتم التفكر في رفع مكافآت العاملين في المساجد، وبما يساعدهم على التفرغ من أجلها والقبول بها كوظائف، ويحيد تجاوزاتهم أو استغلال أسمائهم كغطاء للقيام بأعمال غير نظامية.

مسألة تأجير مرافق المساجد ليست جديدة على الإطلاق، فقد كان بعض الأئمة يفعلونه في السابق ولم يمنعهم أحد، وفي تصوري، ما حدث واستمر لأعوام طويلة لا يتوقف عند محاسبة منسوبي المسجد أو أصحابه وسؤالهم، والمفروض مساءلة مراقبي وزارة الشؤون الإسلامية وإداراتها الميدانية، ومعها وزارة الشؤون البلدية وشركتا الكهرباء والمياه، وكذلك مركز الاتصالات الموحد، فمن غير المعقول أن يستقبل 23 ألف اتصال هاتفي، ما بين شهري يوليو وسبتمبر لعام 2022، وكلها بلاغات عن مكبرات الصوت في المساجد، ولم يصلهم بلاغ واحد عن التجاوزات والتعديات على مرافق وخدمات المساجد، مع أن إحصاءات الوزارة التالية تؤكد وصولها لأكثر من 2500 تعدٍّ، والتعديات طالت خدمات الماء والكهرباء في المساجد ومرافقها، وآخرها رصد في مدينة الرياض على خمسة مساجد واستفادت منه منشآت خاصة واستراحة مجاورة للمسجد، ولعل نظام الوزارة الجديد لإدارة المساجد في شكله الإلكتروني وقاعدة بياناته وإمكاناته، والذي استحدث في 30 يناير، أي قبل ثلاثة أيام، سيسهم في تنظيم أعمال المساجد وإدارتها بطريقة فاعلة تمنع حدوث هذه التصرفات المتجاوزة.