يوم الخميس 26 يناير من العام الحالي، أدخل الاتحاد الأوروبي الحشرات لقائمة أطعمته الرسمية، وقد سمح بأربعة أنواع من الحشرات كبداية، مع استمرار النظر في طلبات قدمت لزيادة ثمانية أنواع إلى القائمة، وتم إدراج الجراد ضمن الحشرات المصرح باستخدامها في الأغذية، وبصلاحيتها للاستهلاك الآدمي، وهو من الأكلات المفضلة والفاخرة في وسط وشمال المملكة وأسعاره عالية جداً، وقد استبق الأوروبيون السماح الرسمي، وبدؤوا باستخدامه قبل عام ونصف العام، وذلك عن طريق أكله مقرمشاً كـ(سناك) أو تحويله إلى مسحوق وإدخاله في منتجات البسكويت والمكرونة والمخبوزات، وفي هولندا توجد مزارع لتربية الحشرات منذ 21 عاماً، وهناك علامة تجارية فرنسية اسمها (جيمينس) تستورد حشرات من هولندا، ومن ثم تقدمها كمقبلات بعد تجفيفها وتمليحها، وأهمها الجراد وديدان العتلة.

الهنود الحمر سكان أميركا الأصليين تغذوا على طحين الجراد، وفي روما واليونان القديمة كان الناس يفضلون أكل يرقات الخنافس، وفي دولتي كولومبيا والبرازيل يعتبر النمل قاطع الورق من مأكولاتهم الأثيرة، لدرجة أنه يباع مثل (البوب كورن) في بعض صالات السينما، ويوجد في المكسيك نحو خمسة وخمسين نوعاً من الحشرات القابلة للأكل، والمكسيكيون يعاملون بيض النمل باحترام، كما هو الحال مع الكافيار أو بيض السمك عند بقية العالم، وتؤكل (ديدان القز) في الصين واليابان وكوريا الجنوبية، بجانب (سوسة النخيل الحمراء) التي تعتبر من الأطعمة الشهيرة، والإقبال عليها مرتفع جداً في دول جنوب شرق آسيا، ولا بد من ملاحظة أن الحشرات المناسبة للأكل تتغذى على النباتات وحدها، ولا تسكن الأماكن العفنة أو تنقل عدوى الأمراض.

منظمة الفاو الأممية أكدت أن ملياري شخص حول العالم يستهلكون الحشرات، وأنها تشكل جزءاً من أنظمتهم الغذائية التقليدية، وتوقعت اعتماده كطعام في المستقبل، وأشارت لوجود ما لا يقل عن 1900 نوع من الحشرات يتم استهلاكها عالمياً، وبالأخص في بلدان العالم الثالث، وفي القارة السمراء، وبريطانيا طلبت من الأفارقة إدخال الحشرات في مأكولاتهم لمواجهة نقص الأغذية، وقررت تمويل مشروعين في الكونغو وزيمبابوي لهذا الغرض، ومن بينها استخدام (عصيدة الحشرات) في طعام الأطفال ممن تتراوح أعمارهم ما بين 7 و 11عاماً، وبحسب تقرير ستاندر آند بورز، فأفريقيا لديها أزمة غذاء متفاقمة حتى 2024، وقد تضع نحو 47 مليوناً تحت خط الجوع غالبيتهم في القرن الأفريقي.

يعود تاريخ أول حشرة إلى 400 مليون عام تقريباً، ويرجح المؤرخون أن إنسان ما قبل التاريخ كان يأكلها، والحشرات غنية بالبروتينات والفيتامينات والمعادن ولا تقارن بالحيوانات والأسماك، وهيئة الغذاء والدواء الأميركية أجازت استخدامها بحدود، ومن الشواهد، سماحها بإدخال 74 جزءا من الحشرات في لوح الشوكولاته الواحد، و120 جزءا من الحشرات في كوب القهوة الساخن، و19 يرقة و75 عثة في علبة المشروم الواحدة.

المختصون السعوديون يعتقدون بوجود 200 نوع من الحشرات المحلية الصالحة للأكل، والمتوافقة تماماً مع الثقافات المناطقية في المملكة، والبيئة السعودية مناسبة لإقامة مزارع تهتم بتربية الحشرات، واستعمالها في صناعة الأعلاف أو في الاستهلاك، أو في التصدير، ومن الأمثلة الناجحة على الثالث، دولة بيرو في أميركا اللاتينية، المعروفة أنها أكبر مصدر لصبغة (كارمين) المصنوعة من مسحوق حشرة الدودة القرمزية (إي 120)، والتي تعتبر محتوى أساسياً في صناعة الأغذية العالمية، كالآيسكريم وفطائر الفاكهة والزبادي والمشروبات الغازية والكيك، وكذلك في إنتاج مستحضرات التجميل، وفي 2017 بلغت صادرات بيرو من هذه المادة 547 طناً، وبقيمة 46 مليون دولار، وفي سويسرا من نفس العام صنعت شركة (إسانتو) شرائح لحم من الدقيق والأرز والديدان النباتية، وتم بيعها في 60 مطعماً ومحال بقالة، وهناك ما يزيد على ألفي نوع من الحشرات يجري استهلاكها في مئة وثلاث عشرة دولة، وترجح تقديرات العام الجاري 2023، أن سوق الحشرات الصالحة للأكل ستصل قيمته إلى 522 مليون دولار.

هيئة الغذاء والدواء السعودية علقت على هذه المسألة، قبل أيام، وقالت إن السماح الأوروبي يخص دول الاتحاد وغير ملزم لغيره، وأشار مسؤول فيها إلى رفض المملكة لكل ما يتعارض مع الشريعة، أو لا يطابق المواصفات والمقاييس المحلية، وأن المقبول في الهيئة هو البدائل النباتية للحوم التقليدية كفول الصويا والبقوليات، وليس البدائل الحشرية، وأتصور عدم وجود ممانعة شرعية في استعمال الحشرات كغذاء، ما لم تكن تنطوي على ضرر واضح، وما قامت به أوروبا مبرر تماماً، فالمؤشرات تفيد بوصول سكان العام إلى قرابة عشرة مليارات في 2050، وأن الطلب على الطعام سيرتفع بنسبة 70 %، والاستثمار الغذائي في الحشرات سيقلل من استهلاك المياه، ومن استنزاف المحاصيل الزراعية، وسيخفض الانبعاثات والغازات الدفيئة، وسيقدم غذاءً صحياً يقاوم السمنة، وسيؤمن الاحتياجات الغذائية الكاملة للناس بأسعار رخيصة، وبالإمكان الاستفادة من الحشرات غير المرغوبة بتصديرها.