تقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو": إن الصناعات الثقافية والإبداعية تُعتبر من أسرع الصناعات نمواً في العالم، وقد ثبُت أنها خيار إنمائي مستدام يعتمد على مورد فريد ومتجدد هو الإبداع البشري، ويُقصد بذلك قدرة الإنسان على وضع حلول وأفكار جديدة ومبتكرة نابعة من الخيال أو من مهارة الابتكار.
ووضِعت الإمكانيات التي توفرها هذه الصناعات في صميم اتفاقية عام 2005 بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي، ويتمثل هدف هذه المعاهدة الدولية الملزمة قانوناً في تمكين الفنانين، والمهنيين والممارسين العاملين في مجال الثقافة، وسائر المواطنين من ابتكار مجموعة واسعة من السلع والخدمات والأنشطة الثقافية وإنتاجها ونشرها والتمتّع بها، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بأشكال التعبير الثقافي الخاصة بهم. وتدعم هذه الاتفاقية الآليات التي تشجع الابتكار وتعزز نشوء صناعات ثقافية وإبداعية نشيطة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، بما في ذلك الآليات التي ترمي إلى تعزيز الإنتاج المحلي، وتطوير الأسواق المحلية، وتيسير الانتفاع بالمنابر المخصصة لأغراض التوزيع والتبادل في شتى أنحاء العالم.
لإيضاح السابق استشهد بما كتبه رئيس تحرير مجلة البحرين الأستاذ كمال الذيب في العام 2021، مؤكدًا أن الثقافة في الدول المتقدِّمة، أصبحت تشكِّل مصدراً رئيساً من مصادر الثروة، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي والصين واليابان، ويكفي الإشارة هنا إلى أن دخل بلد صناعي مثل بريطانيا من الثقافة (كتب ومسرح وسينما وموسيقى وفنون تشكيلية)، يتجاوزُ في حجمه، دخلَها من صناعة السيارات البريطانية الشهيرة.
علينا استيعاب مسارات "الصناعة الثقافية" الوطنية التي تقودها الدولة اليوم، وهي تدار بطريقة ديناميكية، ونشيد بالدور الذي تقوم به وزارة الثقافة بقيادة وزيرها الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، بدعم لا محدود من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لذلك تعي الحكومة السعودية اليوم أهمية هذه الصناعة، واسترشد هنا بما ذكره نائب وزير الثقافة حامد فايز في مبادرة مستقبل الاستثمار (أكتوبر 2022)، والتي حرصت حينها على تدوين بعض الأفكار التي تُلخص الجهود المبذولة في هذا القطاع، ومن ذلك: العمل في أكثر من اتجاه على دعم الاستثمار بالصناعات الإبداعية، وإطلاق الوزارة استراتيجيات الهيئات الثقافية الإحدى عشرة، التي ستعمل على خلق أكثر من 100 ألف وظيفة في القطاع الثقافي بحلول عام 2030، إلى جانب تطوير الفرص الاقتصادية والمساهمة بنحو 23 مليار دولار أو 3 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2030، فضلًا عن إطلاق أكثر من 500 مبادرة ثقافية.
أحد الجوانب الرئيسة في هذا المضمار ما يقوم به صندوق التنمية الثقافي الذي يشجع الاستثمار، ويعزز الاستدامة، ويعيد التأكيد على دور الثقافة كمحرك للنمو، وذلك بأكثر من 180 مليون ريال من المنح التي قدمها العام الماضي تحت مظلةٍ استراتيجيةٍ داعمةٍ للقطاع الخاص ستؤمّن 2.5 مليار ريال من الاستثمار الخاص في الثقافة بحلول عام 2030.
ومن مشاهد "الصناعة الثقافية" السعودية إنتاج 100 فيلم عالمي مصور كُليًا أو جزئيًا في المملكة بحلول 2030، كما سيتم افتتاح 28 متحفاً، وبناء أكثر من 150 مكتبة عامة، وما يدعم هذه التوجهات توقيع مذكرة شراكة استراتيجية بين وزارتي الثقافة والاستثمار (مارس 2023)؛ لتنمية وتطوير قطاع الاستثمار الثقافي في المملكة، وإيجاد فرص استثمارية جاذبة للمستثمر المحلي والأجنبي، بما يضمن تعزيز تنويع اقتصاد المملكة، وتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، واستراتيجية الاستثمار الثقافي، وتطوير وتقديم مجموعة من الفرص الاستثمارية الملموسة في القطاع الثقافي، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من شراكات التمويل المستدام للمستثمرين، فضلاً عن دعم المواطنين من أصحاب الموهبة والإبداع للاستفادة من المشروعات الاستثمارية لتنمية القدرات الثقافية.
من الصناعات الثقافية التي يمكن الاستشهاد بها مشروع "الرياض آرت" الذي يضم أكثر من ألف قطعة فنية و10 برامج فنية ومهرجانين سنويين للفنون، كما ينظم ندوة "طويق للنحت"، التي تستقطب أكثر من 650 فنانًا من 62 دولة، ويعمل على تشجيع الفنانين على إعادة تصور إمكانيات النحت والتقاط مظاهر العمليات المؤقتة لإظهار التغيير ومشاهدته. كما ساعد عام القهوة السعودية على دعم وتنمية أعمال المزارعين والمستثمرين في هذه الصناعة الوطنية، وخلق الفرص والوظائف سواء في الإنتاج والزراعة، أو في الضيافة، وفي المجالات الأكاديمية والبحث والتطوير. بالتأكيد إن المملكة بفعل صناعاتها الثقافية باتت مركزًا ثقافيًا بارزًا على الخريطة العالمية، ومركزًا دائمًا للتبادل الثقافي.. دمتم بخير.
التعليقات