شلال فرح يتدفق إلى حياتنا بعد أن كنا بالأمس الآفل نسمعهم يتجادلون حول أوسع الحيل لتضييق الحياة على المرأة، وسجنها في قمقم تصوراتهم الجنسية القميئة، التي لم ترَ فيها إلا جسدًا يجب أن يغطّى، وعورة يجب أن تستر.

شهد المجتمع السعودي في سنواته الخمس الأخيرة نقلة نوعية فيما يخص المرأة؛ فتم تمكينها في كل مواقع صنع القرار، مسترشداً برؤيته المباركةً، بأنّ تنمية المجتمع لا تكون إلّا بمشاركة المرأة.

لذا أصبح للمرأة في المملكة العربية السعودية يوم معلوم تفخر به وتحتفل بما حققته من إنجازات.

يوم المرأة السعودية يبدأ عندما شهد العالم إعلان الأمير محمد بن سلمان من على منبر «مجلة ذا أتلانتيك الأمريكية» أنه يدعم المرأة لأنها نصف سكان المملكة وأنه في الإسلام المعتدل لا يوجد فرق بين النساء والرجال، فارضاً العديد من الإصلاحات لتمكينها في كل مجال، محدداً أهمية عملها وإعطائها الفرصة المناسبة لترتقي سلّم المجد وتشارك في عملية التنمية والبناء بعد سنوات من الإقصاء والتهميش من أصحاب الأجندات المغرضة، راسماً لها رؤية مستقبلية طموحة أساسها المرأة عنصر رئيسي، وشريك ثابت في صناعة منجزات الوطن ومستقبله.

فجعل من حلمها حقيقة، محطماً بقدم من حديد كل المعوقات التي وضعت أمامها، ولعل آخر تلك الأحلام التي تحققت للمرأة السعودية انطلاق «ريانة برناوي» إلى الفضاء الخارجي كرائدة فضاء سعودية لأول مرة في رحلة محطة الفضاء الدولية، لتلتحق بطاقم مهمة AX-2 الفضائية.

ريانة أحد موظفي مستشفى الملك فيصل التخصصى ومركز الأبحاث، أيقونة العلاج الطبي المتخصص على أرض الوطن، تعمل تحت سقف مركز أبحاثه في علم الأبحاث والمختبرات في مجال أبحاث الخلايا الجذعية السرطانية بعد تخرجها من جامعة نيوزلندا في علم الإنجاب والهندسة الوراثية وتطوير الأنسجة، وهذا في حد ذاته حدث استثنائي وعلامة فارقة في تاريخ مسيرة المرأة في وطن الرؤية، ودلالة واضحة على ما يزخر به مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز أبحاثه من كوادر وطنية مؤهلة في مسيرته المميزة.

سبقتها الدكتورة فوزية الكريع بتتويجها بشهادة عالمية من جامعة هارفرد الشهيرة في التميز العلمي إلى العديد من العاملات المتفوقات واللائي يعملن في المستشفى وأسهمن بأبحاثهن وعلومهن وطبهن وتمريضهن في سعادة الإنسان وراحته.

على واقع الرؤية الطموح تبوأت المرأة السعودية مناصب مهمة في منظمات دولية وهيئات تدريس في جامعات عالمية، وشغلت العديد من المناصب في الأمم المتحدة وفي منظمة الصحة العالمية، وفي منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي وغيرها كثير، في دلالة واضحة أننا عدنا مجتمعاً معافى في نظرته حيال نصفه الآخر، دون أن يكون في ذلك تجاوز لثوابت، أو خروج عن دين، أو اقتراف لمأثمة. بعد آن أتى إلينا من تحفه رعاية الرحمن فأخرس أصوات الناعقين بأنها مصدر الفتنة وطريق الإغراء، فانطلقت المرأة لتخرج أبدع ما فيها من إمكانيات، فأظهرن براعة في كل مجال، وقدرة في كل موقع، فقُدن الطائرات، وتمكّن من القطارات، وغداً سيلحقن بمحطات الفضاء الواسع دون أن ينشرخ شيء في المجتمع أو تسقط فضيلته.

على هدي الرؤية وإيقاعها السريع فتحت الأبواب الموصدة، وحطمت الأقفال الصدئة، وتجاوزنا ركام الخوف «والفوبيا» حيال المرأة وعالمها، تفجرت طاقات «ناعمة» كانت حبيسة في قمقم التقاليد البالية، والمفاهيم المجافية لروح النصوص الدينية، أو المفسرة لها بما يوائم هواها، ويوافق عللها النفسية، تمضي المسيرة بذات «الرتم» العالي المتصاعد، لتقدم نساء بلدي صورة لماهية المرأة العربية المسلمة، القادرة على تحقيق طموحاتها، محروسة بقيمها، ومصانة بدينها، معززة بوعيها، وإنها لجديرة بذلك، وقمينة بكل ثقة تمنحها زاد المسير في هذا الطريق الشاق.. ليكون لاحتفائنا بـ«يوم المرأة السعودية الخاص بها» سمة الاعتزاز، ومرتكز الانطلاق، ومبعث الفخر.

جزى الله قيادتنا الحكيمة خير الجزاء، وهي تعيد للمرأة إنسانيتها المسلوبة، وتعبّد لها الطريق نحو غايتها السامية تقود خطاها الناعمة نحو مستقبل واعد.

رؤية مباركة جعلتها تمضي لغايتها وتحقق الهدف منها، لأنها وضعت بهدف أن تثبت الأسس لدولة «ما بعد النفط»، فهي ليست غاية في ذاتها، وإنما هي بوابة لتحقيق الحلم الأكبر.

ألف مبروك للمرأة السعودية في أيامها المشرقة وللمستشفى التخصصي ومركز أبحاثه كوادره الناجحة وإدارته الصادقة وإيمانه بالرؤية وآياتها البينات، وتبقى قلوبنا مع ريانة حتى عودتها من رحلتها الفضائية بإذن الله.