أيام معدودات وسيكون المسلمون في أرجاء المعمورة على موعد مع شهر ليس مثل كل الأشهر. إنه رمضان، الشهر الفضيل، الذي صار ظاهرة وممارسة ذات أبعاد تمس حياة الناس بصورة عامة وليس المسلمون فحسب.

وقد يكون هذا الشهر القمري أكثر الأشهر تداولا على ألسنة الناس. مقدمه فرصة للابتهاج وكذلك لمراجعة النفس والاستعداد الذهني والجسدي للولوج في فضاء لا مثله قبل وبعد.

في الدول الإسلامية، البهجة بحلول رمضان بادية للعيان، حيث تزدان المحال والشوارع، وتتكدس البضاعة من مأكل ومشرب، إنه الشهر الذي فيه يزداد التبضع بشكل ملحوظ.

القادم من بلاد الغرب إلى بلاد الشرق ـ ولنقل من البلدان الاسكندنافية إلى الدول الخليجية ـ لا بد أن ينبهر بالهالة العظيمة التي ترافق الشهر الفضيل. ما قد يذكره بما يحدثه عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة في الغرب. بيد أن هناك بونا شاسعا بين الهالتين. في الشرق، هالة رمضان يرافقها صوم ليس من الطعام فحسب، بل يجب أن تبعد الصائم عن كل ما يدنس النفس والجسد.

في الغرب، غادر الناس الصوم وتنحصر الهالة في البهجة والغلو في استهلاك الماديات فحسب.

وهكذا صار رمضان ظاهرة وصار تشبث المسلمين بأداء شعائره بحذافيرها كما سنها لهم كتابهم وأين ما حل بهم الدهر من الموضوعات التي تستأثر باهتمام بالغ من الإعلام شرقا وغربا.

وقد لا يخطر في بال كثير من المسلمين أن صوم رمضان هو اليوم مادة علمية لا بل فرع من فروع المعرفة يتناوله باحثون وأكاديميون في شتى الجامعات وتنشر لهم أمهات الحوليات والدوريات العلمية في الغرب.

وأصبح science of fasting أو علم الصوم مادة معرفية جديدة في العقود الأخيرة، وإن ذكرنا الصوم اليوم في حديثنا العابر أو ضمن صفحات مجلة علمية راقية، فإن رمضان هو المقصود في الغالب. وهناك مراكز عديدة في الجامعات في العالم تعنى بعلم الصوم، ومن بينها يبرز مركز فتي في جامعة خليجية، هي جامعة الشارقة، حيث ينكب علماء وأكاديميون على دراسة الصوم ـ أي رمضان ـ من جوانب علمية رصينة بحتة.

ويأتي بين مقدمة الباحثين على مستوى العالم في علم الصوم الدكتور معز الإسلام عزت فارس من جامعة الشارقة، الذي كرس مسيرته الأكاديمية لدراسة صوم رمضان وجعله مادة علمية في الأروقة الأكاديمية. ولأن رمضان، كما قلنا صار ظاهرة عالمية، سرعان ما جذبت أبحاث الدكتور فارس الانتباه وآخرها من مؤسسة بحثية يابانية التي قدمت له منحة بلغت مليون ين ياباني.

وساعدت المنحة هذه الدكتور فارس على كتابة بحث حول تأثير الصوم من حيث المضار والمنافع في الصائمين الذين يعانون السمنة.

وقد قام الدكتور فارس مع زملاء له بتقديم دراسات تعد شاملة لحالة البحث الأكاديمي في علم الصوم. وظهر أن الصوم بدأ يأخذ حصة كبيرة من البحث العلمي مقارنة بأول ظهور لأبحاث مثل هذا النوع قبل نحو سبعة عقود.

في الخمسينيات من القرن الماضي بالكاد كان ناظر المرء يقع على بحث يتيم واحد، بينما وصل عدد الأبحاث الأكاديمية في بعض الأعوام من هذا القرن إلى المئات، وفق الدكتور فارس.

وإن أخذنا الاقتباسات في الحسبان، يضيف الدكتور فارس، لرأينا أن الأبحاث في علم الصوم لها أكثر من 26 ألف اقتباس ـ وهذا مؤشر على أهمية الدراسات العلمية التي تتناول الشهر الفضيل بالبحث والتمحيص والدراسة.

وما النصائح التي يقدمها للصائمين استنادا إلى أبحاثه التي نشرها في مجلات أكاديمية شهيرة؟

نصيحة هذا الباحث الأكاديمي هي ألا يسرف الصائمون في الأكل والشرب لأنهم في ذلك سيخسرون المنافع الصحية الكثيرة التي ترافق صيام رمضان.

ويلخص المضار التي قد لا ينتبه إليها الصائمون، قائلا، "الإسراف في الطعام وقت الفطور، وعدم النوم وعدم ممارسة الرياضة، ورفض وجبة السحور قبل انبلاج الفجر".

إلا أنه يردف أن منافع الصوم، وتأثيراته الإيجابية حسب علم الصوم، تفوق كثيرا أي مضار قد يسببها الصائم نتيجة اتباعه قواعد غذائية غير مرضية. "لقد أظهرت الأبحاث التي أجريناها أن للصوم فوائد وتأثيرات إيجابية جمة في وزن الجسم واضطرابات القلب ووظائف الكبد والالتهابات المختلفة".

ولكنه يعيد النصيحة، قائلا إن الصائمين من خلال "الممارسات الضارة قد يهونون من تأثير المنافع".

ويفند الباحث ما يشاع عن أن الصائم قد يعاني الجفاف، خاصة إن وقع رمضان في أشهر القيظ أو أزمنة ترتفع فيها درجات الحرارة. "مسألة الجفاف من المسائل التي تثار دائما مع مقدم رمضان، إلا أن الأدلة السريرية لا تؤيد ظهور أعراض باثولوجية للجفاف لدى الصائمين".

وإن ظهرت أعراض الجفاف، فإنها تكون وقتية وتزول بتتبع النهج النبوي بكسر الصوم بشرب الماء مع حبات من التمر، حسب الدكتور فارس، ويضيف، "إن الصائم الذي يتبع هذا النهج (النبوي) يصحح أهم التغييرات التي يحدثها الصوم (لجسم الإنسان) ومن ضمنها أيضا انخفاض نسبة السكر والتأثير السلبي لفقدان السوائل".

وهناك كثير في الجعبة البحثية للدكتور فارس حول أهمية وفوائد الصوم وكيفية الوقاية من أي مضار أو سلبيات محتملة، ولا سيما بعد أن أصبح رمضان مادة علمية يبحث فيها العلماء والأكاديميون في مختلف الجامعات في العالم وتتلقف نتاجاتهم دور النشر الأكاديمية العالمية.

ولأهمية الموضوع، وفق هذا الباحث الاكاديمي، فإن جامعة الشارقة ستنظم أول مؤتمر عالمي حول علم الصوم في شباط (فبراير) من العام المقبل، وبهذا يدخل رمضان الأروقة الجامعية كمادة علمية لها رصانتها ونظرياتها وممارساتها وأساليبها البحثية الخاصة بها.