دخلتْ الصين لاعباً مهمّاً ومرحَّباً به في منطقة الشرق الأوسط بعد أن ظلتْ المنطقة خارج اهتماماتها، ويأتي هذا الانغماس في التعامل مع دول المنطقة دليلاً على انفتاح الصين على التعاون، والرغبة في مَدِّ الجسور، وبناء التحالفات في هذه المنطقة الإستراتيجية المهمة على مستوى العالم.

* *

الصين التي أصبحت ثاني أقوى اقتصاد في العالم، وهي المهيأة لتقفز إلى المركز الأول، إذ تفوَّقت على اليابان يمكن أن يتم ذلك أيضاً مع أمريكا التي تعاني من ارتباك في السياسة والاقتصاد وخسارة الحلفاء لسوء التعامل.

* *

والصين إذا ما كسبتْ أصدقاءً جدد لها في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في منطقة الخليج، فلن تفرِّط إثر ذلك بمصالحها في المنطقة، بعد أن تجد - كما هو متوقع- كل الترحيب بالتعاون معها، بوصفها قوةً اقتصادية وصناعية وتجارية يمكن الاعتماد عليها، حتى وإن بقيت أمريكا في موقع القوة في علاقاتها وتعاونها وشراكاتها مع دول المنطقة أو بعضها.

* *

ومن مصلحة دولنا أن تكون هناك منافسة بين القطبين على تعاونهما معنا، حيث تتسع الخيارات، وتبرز فرص المصالح من خلال هذا التنافس، وتكون له تداعياته في خلق مجالات جديدة ومهمة لنا فيها مصلحة كبيرة في استثمارها على نحو يزيد من وتيرة التطور لدينا، اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً ضمن السياسات المستهدَفة.

* *

ودولنا ستظل تحافظ على مصالحها، وتحرص على أخذ الموقف الذي يستجيب لتطلعاتها وطموحاتها، بعيداً عن الصراع بين القوى العظمى، باستقلال القرار، والتوجه في كل مواقفها بما يتناغم مع الأهداف المرسومة لكل دولة من دول المنطقة، ومحاولة تعزيز أي شراكات أو تحالفات جديدة بما يصبُّ في مصلحة دولنا وأهدافها المستقبلية.

* *

ودخول الصين كلاعب مهم في المنطقة لا يلغي الدور الأمريكي، ولا يضعف موقف واشنطن في المنطقة، ولا يغْري بالتخلي عن التعاون معها، وإنما دخول الصين والتنافس بين بكين وواشنطن على التعاون معنا يفيد دولنا في توسيع وتنويع اختياراتها في فرز الفرص المناسبة لها، والاتفاق عليها مع أي من الدولتين.

* *

لاحظوا أن الاتفاق على عودة العلاقات بين المملكة وإيران تم برعاية الصين التي تربطها علاقات جيدة مع الرياض وطهران، وفي المقابل وبعد أقل من أسبوع أبرمت المملكة عقداً بالمليارات لشراء عشرات الطائرات لشركة (طيران الرياض) والخطوط السعودية، ما يفسِّر أن المملكة تتعامل مع دول العالم على مسافة واحدة وفقاً لمصالحها، وأنها لا تتخلى عن حليف على حساب آخر.

* *

نعم لتواجد الصين في منطقتنا كما هي أمريكا وكما هي بقية دول العالم الأخرى، فالتعاون بين الدول طالما أنه يحكمه تبادل المصالح، والاستثمار بما يعود بالفائدة على جميع الأطراف، وأن ذلك يأتي ضمن التكامل الذي يغطي ما تحتاج إليه كل دولة من نقص في أشياء توجد لدى الآخر، ويلبي ضمن أمور أخرى مصالح كل طرف على نحو من الالتزام بما يتم الاتفاق عليه.

* *

والمطلوب الآن تسريع هذا التواجد الصيني في بناء أفضل العلاقات، وتوسيع دائرة هذا التعاون، دون أن يؤثر ذلك على علاقات دولنا بالآخرين، أو يمس المصالح المشتركة القائمة مع غير الصين سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وحيثما وُجدتْ اتفاقيات سابقة تم إبرامها أو لاحقة للتعاون والشراكة والتحالف، ما يعني الذهاب أكثر إلى بناء صداقات جديدة مؤثرة وفاعلة ومفيدة على نحو ما تم أو سيتم مع الصين وغير الصين.