هل يمكن تصنيف التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوم 16 آذار (مارس) 2023 ضمن إطار "مصطلح التغيير" السياسي، أم أنه مجرد استبدال هذا الوزير بوزير آخر مع الإبقاء على الخيارات السياسية القديمة نفسها؟

في تقدير المراقبين السياسيين فإن إقالة وزير الخارجية رمطان لعمامرة وتعيين وزير الخارجية القديم أحمد عطاف لا يمثل قفزة نوعية لصالح الدبلوماسية الجزائرية راهناً لأن عطاف لم يُحدث من قبل أي تحول نوعي في خريطة السياسة الخارجية وذلك طوال فترة عمله كوزير للخارجية. كما أنه في تاريخ عمله كسفير للجزائر لدى بريطانيا، لم يتمكن من أي تسويق يذكر سواء للثقافة والسياحة الجزائريتين في الفضاء البريطاني، ولم يُنجز أي روابط اقتصادية وصناعية معتبرة مع المملكة المتحدة ودول الكومنولث، والدائرة الأنغلوفونية التي تدور في فلكهما والتي تغطي مساحة جغرافية تتجاوز 18 مليون كلم مربع.

يلاحظ أيضاً أن هذا التعديل الوزاري قد جرَد حزب "جبهة التحرير الوطني" من مكانته التقليدية في الحكومة الحالية علماً أنه يُعد أكبر حزب موالٍ للسلطة على مستوى الواجهة السياسية الجزائرية. إلى جانب ما تقدم يرى المراقبون السياسيون أن تقاليد النظام الرئاسي المطبق خلال هذا التعديل الوزاري قد طغى على دور البرلمان بغرفتيه حيث لم يترك له أمر المشاركة الفعلية في اختيار الوزراء ليتمكن بعدئذ من ممارسة الرقابة على تسييرهم شؤون البلاد علماً أن هذا البرلمان هو ممثل إرادة المواطنين بحسب تشريعات البلاد.

يبدو واضحاً أن هذا التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لا يرقى في تقدير المتابعين السياسيين الجزائريين المحايدين إلى مصاف "التغيير السياسي الجذري" لأن الوزراء الجدد المعينين، والوزراء القدامى الذين أبقى عليهم في هذه الحكومة لا يمثلون القاسم المشترك للتوجه السياسي العام الذي يعكس توافقات الطيف السياسي الجزائري المتنوع، وبالتالي الخيارات الكبرى للوطن ويستند في الوقت نفسه إلى توافق في عقيدة سياسية معينة وواضحة المعالم، بل إن أغلبهم، إن لم نقل كلهم، هم مجرد موظفين إداريين يطلق عليهم خطأ لقب تكنوقراط.

وأكثر من ذلك، فإن شرط تعيين هؤلاء الوزراء هو تنفيذ برنامج الرئيس فقط وليس القيام راديكالياً بتغيير سلسلة البنى العميقة التي ما فتئت تفرّخ الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والأزمة التي تكرس شحوب علاقة الحكومة بالمواطنين في الجزائر العميقة، وذلك بالاشتراك مع أحزاب المعارضة والموالاة وتنظيمات وروابط المجتمع المدني والشخصيات الوطنية التي تملك الخبرة والكفاءة الفكرية.

يرى المراقبون السياسيون أن الحافز المضمر لهذا التعديل الوزاري يتمثل في الاستجابة للشارع الجزائري الغاضب من وزير التجارة وترقية الصادرات كمال رزيق الذي يوصف بالشعبوي وبحصان الحكومة الخاسر الذي "لعب" بخبز الشعب الجزائري. ولكن تعيين رزيق مستشاراً لدى رئيس الجمهورية بمرسوم صادر في شكل عاجل يعني في اللغة الشعبية الجزائرية "موسى الحاج، والحاج موسى" أي عدم التغيير، بل انتهاج آلية التدوير الناعم في المناصب والترقية بدلاً من معاقبة هذا الوزير على الأخطاء القاتلة التي ارتكبها وكادت أن تخرج الشعب الجزائري للتظاهر في الشوارع ضد الحكومة برمتها.

وفي الحقيقة، فإن الإبقاء على عدد من الوزراء الآخرين ضمن طاقم الحكومة، وبخاصة وزيرة الثقافة ووزير الاتصال، لم يُهضم ذلك لدى الرأي العام الوطني لأن الواقع يؤكد بالملموس أن الإعلام الجزائري لم يشهد أي تطور حقيقي في البنى وأسلوب العمل والدور في عهدي الوزيرين بلحيمر وبوسليماني معاً باستثناء بعض الترقيعات الشكلية ذات الطابع التنظيمي الذي يتعرض باستمرار للمراجعة الروتينية بلا نتائج إيجابية تذكر.

وفي هذا السياق، ينبغي التذكير أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد دعا الصحافيين في حوار تلفزيوني مؤخراً إلى "إنشاء نقابة خاصة بهم" كما أكد أن في الجزائر نحو 8500 صحافي و180 صحيفة يومية و20 قناة تلفزيونية خاصة، ولكن هذه النقابة لم تتأسس حتى اليوم علماً أن الجزائر كانت تحتضن سابقاً منظمة اتحاد الصحافيين الجزائريين وذلك في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي ولكنها أزيلت من الوجود بعد انتهاء عهد الحزب الواحد المسيطر على الساحة السياسية الجزائرية وانفجار العشرية الدموية.

إن قطاع الإعلام الجزائري المكتوب والمسموع والمرئي لا يزال يعاني من تسويف في إدارة شؤونه ويفتقد إلى الدعم المادي وإلى وضوح الرؤية التي تضمن أداء رسالته الثقافية والسياسية والاجتماعية على وجه أكمل على الأقل داخل الوطن، وعلى مستوى المهاجر الأجنبية حيث يوجد الملايين من أبناء الجالية الوطنية المحرومين من المنابر التي تمكنهم من التعبير عن أنفسهم.

أما دور الإعلام الجزائري في الساحة الدولية، فمنعدم تماماً، علماً أنه في فترة ثمانينات القرن الماضي أُعد مشروع لكي يتنبه الإعلام إلى ضرورة خلق علاقة التواصل مع العمق العربي المشرقي والأفريقي والأوروبي باعتبار هذه الفضاءات تمثل الدوائر الحضارية والتاريخية التي تنتمي إليها الجزائر، ولكن هذا الملف لا يزال ينام في أدراج المكتب السياسي لحزب "جبهة التحرير الوطني".

أما وزارة الثقافة الجزائرية، فقد بقيت حتى الآن، رغم تداول عدد كبير من الوزيرات اللواتي تعوزهن خبرة العمل الثقافي والفكري والفني، أسيرة نمطية التنشيط الثقافي والفني الفولكلوري والترفيهي الذي يفترض أنه من مهام روابط وتنظيمات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، علماً أن في الجزائر أكثر من 20 ألف جمعية ثقافية وفنية مسجلة رسمياً لدى وزارة الداخلية والجماعات المحلية ولا تُدعم في الغالب مادياً. ومن الواضح أن وزارة الثقافة قد صارت متخصصة إما في بذخ تشكيل المجالس وإسنادها إلى أشخاص متقاعدين جراء كبر سنهم، وناقصي تجربة إدارة الشأن الثقافي باعتباره عملية تندرج عضوياً في إطار بناء الشخصية ورموزها الروحية والانفتاح على مستجدات الثقافات المجاورة في العمق المشرقي والأفريقي والمتوسطي الشمالي من أجل استيعابها وتوطين العناصر الحضارية منها في التربة النفسية والذهنية الجزائرية، أو في الإفراط بتعيين اللجان التي تعد ملفات بعض الأكلات والمعالم الأثرية الجزائرية لتسجيلها لدى اليونسكو.