جاءت توقعات إدارة معلومات الطاقة لأسواق الطاقة حتى عام 2050، في الحالة الأساسية، صادمة للديمقراطيين وأنصار البيئة. فالطلب على النفط سينخفض، ولكن بشكل بسيط، وسيتسمر إنتاج النفط وصادرات النفط الأميركية في مستويات عالية طوال فترة التوقع.

وأصدرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في نهاية الأسبوع الماضي رؤيتها وتوقعاتها لأسواق الطاقة حتى عام 2050. إدارة المعلومات هي الذراع الإحصائية المستقلة لوزارة الطاقة الأميركية. وكلمة "مستقل" هنا مهمة لأن قانون تأسيسها ضمن لها الاستقلالية بحيث أن تعاقب الإدارات المختلفة لا يؤثر فيها ولا يمكن لأي إدارة التأثير في بحوثها وبياناتها، ولا يحق لأية إدارة إلا تعيين المدير العام، وهي رتبة قريبة من رتبة وزير. هذا يعني أن توقعاتها غير مجيرة سياسياً لخدمة أهداف حزب ما.

والتركيز على الاستقلالية مهم لأن بعضهم يشكك في بيانات المخزون التي تنشرها الإدارة أسبوعياً ويعتقدون أنها تأتي من البيت الأبيض بهدف التأثير في أسعار النفط، مع أنها نتيجة استبانات يجب على الشركات ملؤها قبل ساعة معينة كل يوم جمعة.

وتركز توقعات إدارة معلومات الطاقة على ثلاثة سيناريوهات رئيسة، يتضمن السيناريو الأساسي، الذي يعد أقرب إلى الواقع. الحالتان الأخريتان تتضمان حال أسعار النفط المرتفعة والأخرى حالة أسعار النفط المنخفضة، أو ما ينوب عنهما، طوال الفترة.

وتتوقع الإدارة أن ينخفض الطلب على النفط في الولايات المتحدة في عام 2050 بحدود 2.1 في المئة فقط. بعبارة أخرى، إذا كان الطلب الحالي على النفط في الولايات المتحدة 20 مليون برميل يومياً، فإن الانخفاض في الطلب على النفط على رغم كل الجهود لخفض الطلب عليه، سيكون بنحو 400 ألف برميل يومياً فقط.

وبالنظر إلى التفاصيل، نجد أن الطلب على البنزين والديزل سينخفض بنسبة 9.4 في المئة بسبب السيارات الكهربائية وتحسن الكفاءة في محركات الوقود. وعلى رغم أن نسبة 9.4 في المئة كبيرة، إلا أنها أقل بكثير من توقعات متطرفي التغير المناخي الذي يتحدثون عن الاستغناء عن النفط تماماً في قطاع المواصلات. إلا أن الطلب في القطاعات الأخرى، بخاصة الطيران والبتروكيماويات سيزيد، ويعوض عن بعض الانخفاض في الطلب على البنزين والديزل.

وهناك توقع آخر لإدارة معلومات الطاقة الأميركية مزعج للديمقراطيين وحماة البيئة: إنتاج النفط الأميركي وصادراته ستظل مرتفعة خلال السنوات الـ27 المقبلة، وستظل الولايات المتحدة صافي مصدر للنفط. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة في السيناريو الأساسي أن يستمر إنتاج النفط الأميركي بالزيادة حتى عام 2028، ثم يبدأ مرحلة انخفاض مستمر حتى عام 2041، حيث يزيد بعدها بحيث يصبح إنتاج النفط في عام 2050 أعلى من مستواه في عام 2022. يأتي هذا التوقع على رغم معدلات النضوب العالية في آبار النفط الصخري، وهو أمر مثير للدهشة لدى كثيرين.

وهناك توقع آخر مهم لدول "أوبك": واردات النفط الأميركية ستبقى ضمن نطاق معين طوال الفترة. بمعنى آخر، الانخفاض الكبير في الطلب على النفط الذي يتكلم عنه بعضهم لن يحدث.

ونظراً إلى الانعكسات السياسية الكبيرة لواردات وصادرات الولايات المتحدة، سأعرض هنا السيناريوهات الثلاثة لإدارة المعلومات.

صدرت الولايات المتحدة نحو أربعة ملايين برميل يومياً من المنتجات النفطية في عام 2022. في السيناريو الأساسي تتوقع إدارة معلومات الطاقة أن ترتفع إلى نحو ستة ملايين برميل يومياً بحلول 2050. في حال الأسعار المرتفعة، يتوقع أن ترتفع إلى 10 ملايين برميل يومياً بحلول 2040 ثم تنخفض إلى تسعة ملايين برميل يومياً في 2050. أما إذا هبطت أسعار النفط الآن إلى مستويات منخفضة وبقيت كذلك حتى عام 2050، فيتوقع أن تستمر الصادرات بالانخفاض حتى تتلاشى تقريباً بحلول عام 2050.
أما بالنسبة إلى واردات النفط الخام فتتوقع إدارة المعلومات أن تبقى الواردات تتأرجح حول سبعة ملايين برميل يومياً مع انخفاض بسيط في نهاية الأربعينيات من القرن الحالي. إلا أن الأمر في النهاية يعتمد على إنتاج النفط الأميركي. فارتفاع إنتاج النفط الأميركي يؤدي إلى انخفاض واردات النفط الأميركية بأكثر من الثلثين، إلى نحو 2.5 مليون برميل يومياً. وانخفاض إنتاج النفط الأميركي يرفع واردات النفط الخام إلى قرابة 10 ملايين برميل يومياً بحلول 2050.

المشكلة الكبيرة في توقعات إدارة المعلومات أنها تتجاهل نوعية النفط. فزيادة الإنتاج في أحواض النفط الصخري بشكل كبير يؤدي إلى زيادة الصادرات، ولكن لن يخفض الواردات بسبب اختلاف النوعية. النفط الصخري خفيف حلو، والورادات من الأنواع المتوسطة الثقيلة الحامضة التي تحتاج إليها المصافي الأميركية. وكما هو معهود في كل توقعات أسواق الطاقة، تضمنت توقعات إدارة المعلومات مصادر الطاقة كافة بما في ذلك الغاز والفحم والطاقة المتجددة والنووية والكهرباء، وتضمن ذلك كل ما له علاقة بالموضوع بما في ذلك السيارات الكهربائية والتقنيات الجديدة.
وتوقعت الإدارة انخفاض انبعاثات الكربون بشكل كبير في الولايات المتحدة في السنوات المقبلة بسبب زيادة استخدام الكهرباء بدلاً من مصادر الطاقة الأخرى، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي على حساب الفحم. المشكلة في توقع الإدارة هنا أنها تفترض أن "قانون خفض التضخم" الذي تم تبنيه أخيراً، الذي يضم إنفاقاً هائلاً على الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، سينجح في خفض الانبعاثات تماماً كما هو مستهدف في القانون.
المشكلة الأخرى أنها تفترض أن تكاليف الطاقة الشمسية والرياح ستستمر بالانخفاض طوال الفترة، الأمر الذي يعني انتشارها الواسع، مع أن تكاليفها زادت بشكل كبير في العامين الأخيرين، ولا أحد يعرف مصير التجارة مع الصين مستقبلاً.

ختاماً عودة إلى مسألة تسييس التوقعات وبيانات المخزون. إذا كان الشخص يعتقد أن بيانات إدارة معلومات الطاقة مسيسة، فالمنطق يقتضي تطبيق على الفكرة على الجميع، بما في ذلك وكالة الطاقة وأوبك.