كانت الجمهورية الإيطالية ضيف شرف معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الماضية (2022)، وكانت المناسبة فضاءً متاحاً لاستعراض تاريخ العلاقات الثقافية العربية والإيطالية، وبخاصة الترجمة حيث عرف العرب نخباً من الآداب والفنون والثقافة الإيطالية في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين من خلال مترجمين عرب نقلوا التراث الإيطالي الأدبي إلى العربية من الإيطالية مباشرة، ومنهم عيسى الناعوري، على سبيل المثال لا الحصر، فهناك مترجمون عن الإيطالية إلى العربية مباشرة من مصر وليبيا وسوريا.

وباختصار كانت أروقة معرض الشارقة الدولي للكتاب مكاناً حميماً للتعرّف إلى ملامح مهمّة من الثقافة الإيطالية الأصيلة والتاريخية، ومن علاماتها الكبرى: الديكاميرون، وكوميديا دانتي، وحياة كبار فنّاني العالم من الإيطاليين، ليوناردو دافنشي مثالاً، وغيرها من علامات إيطالية ساطعة في الثقافة العالمية اقتربنا منها، أو أعدنا الاقتراب منها في معرض الشارقة الدولي قبل نحو أربعة شهور.

اليوم، تقيم الشارقة امتداداً آخر من الشخصية الثقافية الإيطالية من بوّابة لغتنا العربية التي عرفنا من خلالها قامات الأدب والفكر والفن الإيطالي، وسيكون موضوع الترجمة هو محور هذا الامتداد العربي - الإماراتي – الإيطالي.

أتحدث عن رعاية هيئة الشارقة للكتاب فعاليات الدورة السادسة من «المهرجان الدولي للغة والثقافة العربية» المنعقد هذه الأيام في مدينة ميلان الإيطالية، وتنظمه «جامعة القلب المقدّس الكاثوليكية» تحت شعار «جسور بابل» ومحور المهرجان هو الترجمة، وكيف أسهمت في بناء الحضارات.
ولعلّي أحدد تعليقي هذا في نقطة واحدة رئيسية وهي نشاط الترجمة في الإمارات الذي بات اليوم ظاهرة ثقافية دولية بكل معنى الكلمة.
أطلقت الشارقة جائزة «ترجمان» وهي أكبر جائزة في العالم متخصصة في الترجمة، وقد أشار أحمد العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، إلى هذه الجائزة الكبرى في كلمته في افتتاح فعاليات المؤتمر في ميلان، ولكننا إلى جانب ذلك نشير إلى البرنامج النشري الترجماني أيضاً، الذي تبنّته هيئة الشارقة للكتاب منذ أكثر من خمس سنوات.
الترجمات في الإمارات جسور تلاقٍ ثقافية وهي أفق لغوي للحوار وتفاعل الآداب والثقافات بين شعوب وبلدان العالم، ومن هذا المنطلق الفكري ازدهرت الترجمة في الإمارات بشكل خاص خلال العقدين الأخيرين، بل منذ مطلع التسعينات إذا أردت التحديد، وسوف ينقل مشروع «كلمة» في أبوظبي العديد من العناوين الإيطالية إلى العربية تأكيداً لحيوية وعالمية اللغتين: العربية والإيطالية، وهما لغتان تجري فيهما أيضاً روح البحر الأبيض المتوسط.