هل تأتي الاندفاعة التركية في اتجاه مصر على حساب سوريا؟ سؤال استجد بعد التعثر الذي اعترى عملية المصالحة السورية - التركية في الأسابيع الأخيرة عقب رفع شروط هذه المصالحة، وعدم التمكن من عقد اجتماع على مستوى نواب وزراء الخارجية لسوريا وتركيا وإيران وروسيا كان مقرراً في موسكو في 15 آذار (مارس) الجاري و16 منه، للبحث في ترتيبات التطبيع السوري - التركي.

وكانت زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للقاهرة السبت، وهي المرة الأولى منذ عشرة أعوام التي يزور فيها مسؤول تركي على هذا المستوى مصر، بمثابة تدشين لمسار التطبيع بين تركيا ومصر. وسبق لوزير الخارجية المصري سامح شكري أن زار أنقرة في 27 شباط (فبراير) الماضي للتعزية بضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا في 6 منه.

زيارة شكري ارتدت طابعاً إنسانياً في حين أن زيارة جاويش أوغلو سياسية بامتياز. الانفتاح التركي على مصر هو استكمال لدائرة المصالحات التي بدأها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السنوات الأخيرة وشملت دول الخليج العربية، بعد عقد من التوتر تسببت به الرعاية التركية لموجة ما سمي بـ"الربيع العربي" وصعود الإسلام السياسي، الذي حاولت من خلاله أنقرة أن تبسط هيمنتها على الشرق الأوسط.

واضطلعت مصر بدور رئيسي في كبح مد الإسلام السياسي من خلال الانتفاضة على حكم "الإخوان المسلمين" في تموز (يوليو) 2013. تلك كانت ضربة قوية لمشروع أردوغان الذي أدخل العلاقات المصرية - التركية في مرحلة عصيبة، خصوصاً أن "الإخوان المسلمين" اتخذوا من تركيا منبراً لمهاجمة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.

الذي تغير في السنوات الأخيرة هو تركيا التي وجدت نفسها في عزلة إقليمية نتيجة سياساتها على مدى عقد من الزمن، ما انعكس سلباً على الاقتصاد الذي عانى من التردي وانهيار قيمة الليرة في مقابل الدولار وارتفاع التضخم إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ أكثر من عقدين.

ومع تراجع الاقتصاد تراجعت شعبية أردوغان. وكان هذا عاملاً رئيسياً في حمله على إعادة النظر في سياساته السابقة والعودة إلى التصالح مع الدول الإقليمية، فكانت المصالحة مع دول الخليج العربية ومن ثم بدأ بتوجيه رسائل مرنة حيال مصر وسوريا.

لكن المسار السوري أكثر تعقيداً، خصوصاً مع اتساع التورط التركي هناك ووجود عشرات الآلاف من الجنود الأتراك في الأراضي السورية وتشابك هذا الوجود مع الصراع ضد "حزب العمال الكردستاني". ورغم الضغط الروسي على أردوغان كي يقدم تنازلات تفضي إلى عقد لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد، فإن أردوغان تهيّب المضي قدماً في تلبية مطالب دمشق ومنها الانسحاب العسكري من سوريا.

وأحجم أردوغان عن المجازفة بتلبية الشروط السورية قبل الانتخابات الرئاسية والنيابية المقررة في 14 أيار (مايو) المقبل. إن قراراً بحجم الانسحاب العسكري من سوريا، ليس بالأمر السهل على الرئيس التركي في هذا التوقيت القاتل. وبدا بالنسبة إليه أن إرجاء المصالحة مع دمشق هو أهون السبل قبل الانتخابات.

وتعويضاً عن التباطؤ في الملف السوري، قرر أردوغان القفز إلى مصر والشروع في فتح صفحة جديدة مع القاهرة انطلاقاً من براغماتية سياسية بعد سنوات من العداء.

يهم أردوغان أن يؤكد للناخبين أنه مستعد لإحداث استدارات في سياساته الخارجية التي كانت سبباً في تراجع الاقتصاد. ومن خلال الانفتاح على مصر والخليج وتبني نهج مختلف مع سوريا بعد العداء الحاد، يسعى الرئيس التركي الذي تظهر استطلاعات الرأي تقدم مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو عليه، أنه مستعد للانقلاب على كل سياساته التي تبناها في العقد الماضي.