لا مجال للقلق مما يدور في الكويت الآن، وما حدث جاء لينفع الكويت، تستخلص منه الكويت، شعباً وسلطة وبرلماناً، أفضل المنافع التي تزيد من صلابة أعمدة الاستقرار ممثلة في حكم دستوري يوفر التشاركية بين الشعب والمؤسسة الشرعية التاريخية، فما حدث في الانتخابات الأخيرة، ليس مقبولاً في قواعد العمل الديموقراطي حيث كانت أعداد المصوتين أكثر من المسجلين الذين يحق لهم التصويت في أكثر من دائرة، ومن هذه الحادثة جاء قرار المحكمة الدستورية واضحاً مشيراً إلى مخالفات في بعض الدوائر، أتاح لمن لا يستحق نيل أكثر الأصوات متمتعاً بعضوية برلمانية تغدق عليه بالوجاهة والنفوذ وتسمح له بالتحول في ممرات الدولة منتشياً بوقار العضوية ومتمتعاً بحصاد مخالفاته.

ولم يكن قرار المحكمة مفاجئاً فقد كانت رائحة التجاوزات تمتد إلى خارج الحدود، وصحيح أن قرار المحكمة تعامل مع التقصير الذي رافق اننتخابات 2020 غير أن المخالفات أضرت بالمناخ الانتخابي وأزعجت الفضاء الديموقراطي وسجلت سابقة مؤذية فيها جرأة عبثية لا تتهيب من احتمالات الانكشاف، وبلا شك فإن تراكم واقعة التقصير لعام 2020 وأضرار التجاوزات لعام 2022، أدخل الكويت في أجواء تساؤلات عن يقظة المسؤولين وعن كفاءة الأجهزة وحول أهلية الفائزين بطريقة غير قانونية، وفوق ذلك أساء كثيراً لتقاسيم وملامح الكويت التي كانت دائماً توحي بالبراءة وحسن الخلق وطيبة المعشر.

ولا ننكر بأن هذه الوقائع أضرت بسمعة الكويت خليجياً وعربياً وخارجياً، وفتحت قنوات النقد، وأعطت الناقدين مبررات التهجم والاستصغار بجدية الديموقراطية الكويتية، وبجمود التجارب الكويتية التي لم تتعلم طوال هذه السنوات وترتبك في سلوكها من أصغر الأخطاء.

هذه وقائع لا نتجاهلها، لكنها مستمرة دون التأثير في صلابة الحس الكويتي الوطني الغيور والمتمسك بترابه الوطني، والمحافظ على النظام السياسي بشرعيته التاريخية.

وقد جاءت تصريحات نواب مجلس 2020، خاصة رئيسهم مرزوق الغانم بضرورة الخضوع لإرادة الشعب الكويتي في انتخابات تتم بعد اكتمال بعض الإجراءات الدستورية التي تؤمن عدم تكرار الأخطاء في الخطوات البسيطة التي يفرضها الدستور والتي سببت الأزمة الحالية.

ستجري الانتخابات خلال الفترة القادمة، ولا مفر من أنها ستكون نقية بإجراءاتها ونظيفة باستيعابها لدروس التقصير، وستتجاوز الكويت هذا المطب بوعي اكبر وبعظام أقوى وبثقة متينة في المستقبل، ولا سيما أن مؤشرات الاستقرار الإقليمي بدت واضحة على الاتفاق السعودي – الإيراني بدخول فصل في علاقات مجلس التعاون وبالذات المملكة مع إيران في مسار ثنائي يعظم حجم المنافع التي يكسبها الفريقان، مجلس التعاون وإيران، ويغلق الممرات المتوترة التي تسيدت العلاقات منذ الثمانينيات.

ونكرر بأن هدوء منطقة الخليج يضيف الكثير إلى عوامل الاستقرار العالمي، فالمنطقة هي أكبر منابع الطاقة الضرورية للتقدم والازدهار وفيها أنهار من النفط تجري بهدوء تحت ترابها، ومنذ عام 1979 مع الثورة الإيرانية لم تنعم المنطقة بالاستقرار، وزادت الفوضى مع الحرب الإيرانية – العراقية، التي انفجرت في سبتمبر 1980، وتحمل أثقالها مجلس التعاون ودمرت الطرفين «العراق وإيران» وتجاهلها العالم، لكننا عانينا الكثير من إسقاطاتها، ليس في المال والدعم والجغرافيا فقط بل في الأهم وهو الدفاع سياسياً وإعلامياً عن مواقف العراق وتحسين صورته.

وأتذكر مواقف إيران الاستفزازية تجاه دول الخليج، والموجهة ضد مجلس التعاون، فقد كان بعض أفراد الوفد الإيراني المرافق للوزير الإيراني خلال دورات الأمم المتحدة في نيويورك يتنمرون عليّ شخصياً بلقب سكرتير عام لحلف الناتو الخليجي، ولم تتبدل المواقف رغم مساعي التوضيح وكشف الحقائق، وإن تحسنت المفردات، وفي الحقيقة فقد كانت أولويات مجلس التعاون هي وقف الحرب، ومن هذا الموقف تعاظمت قنوات مجلس التعاون للتواصل مع العالم، لـتأمين اهتمامه بالحرب الدائرة بين العراق وإيران، ويسعى لوقفها، حيث لم يظهر النشاط الذي يؤدي إلى تطويقها ومن ثم وقفها، فقد كانت سمعة النظامين الإيراني والعراقي سيئة وبالحضيض.

كانت مفردات إيران الدبلوماسية مزعجة تحمل التعالي المتيقن من الفوز والمستصغر للآخرين، ولم يكن الجانب العراقي نظيفاً في تعامله مع مجلس التعاون فقد صور المواجهة كحرب فارسية–عربية وعلى دول الخليج تسخير كل ما لديها لدعم العراق سلاحاً ومالاً وأكثر من ذلك.. أرضاً ومواقع تنطلق منها طائرات حربية عراقية لتدمير مدن إيرانية، وكان البائس صدام حسين يتجه في تهديداته نحو دولة الإمارات شاكياً انفتاحها ومهدداً لمواجهتها ومتطوعاً لتخريب دبي التي لا يتردد في نقدها، فقد كان هذا المتحكم بالعراق يريد التحكم بالخليج ويتوقع بأن تعطي الإمارات مثلما تعطي الكويت، تفتح أرضها وسماءها وإمكاناتها بما فيها من سلاح لدعمه في مغامراته.

كان الخليج يعاني من الطرفين، إيران تتعالى وتهدد، والعراق الصدامي يمارس الترهيب ضد البعيد من الخليجيين، ويسعى لجعل القريب ملحقاً تابعاً لما يريد.. هكذا كانت الحالة الخليجية التي تتسلم الوسائل السلبية من الجانبين، فإذا كانت إيران تعلن التهديد فإن صدام حسين يتوعد بالثأر من الخليج بعد نهاية الحرب.

كان مجلس التعاون يكلف سنوياً وزير خارجية دولة الرئاسة للذهاب إلى بغداد وشرح قرارات القمة الخليجية للرئيس العراقي صدام حسين، وكنت أقرأ مستغرباً ردود الرئيس العراقي تجاه قرارات القمة الخليجية، فدائماً منتقداً التقصير ومهدداً بالانتقام مع نهاية الحرب ليتفرغ عندها لتأديب الخليج خاصة بعض بلدانه الذين لا يشاركون طرحه بأنها حرب عربية – فارسية، وأنه قائدها، ورغم كل العطاء ولا سيما الكويتي – السعودي، كان متعالياً متذمراً شكوكاً بالنواياً ومتوعداً الخليجيين بالعقاب مع نهاية الحرب منتصراً.

كانت هذه الحصيلة التي يحملها المبعوثون الخليجيون من لقاءاتهم مع صدام حسين، الذين يصفون أجواء الاجتماع بأنها متوترة عدائية ليس فيها ما يضيء المستقبل بعلاقات آمنة.

انتهى نظام صدام حسين وتبدلت أحوال العراق على أمل أن يلتزم النظام الجديد قواعد العمل الدولية وتبنى العراق دستوراً يرضي جميع الطوائف لكن الثورة الإيرانية بقيت رغم عواصفها الداخلية وعزلتها الدولية واستمر شعبها يعاني من ضغط الثورة ومن آثار العقوبات لسلوكها المخالف، وجاء الاتفاق السعودي – الإيراني بتدخل صيني ستتضاعف مصالحه مع نجاح الاتفاق وجوهره استخراج سلوك إيراني عقلاني إيجابي في استقرار المنطقة وفي وقف تدخلاته الإقليمية ووضع حد للتحريض ضد الأنظمة الخليجية ورعاية فقه المصالح وحسن السلوك وكسب الصداقات وتعميق الاستقرار، فإن التزمت إيران الخطوط الواضحة التي تم الاتفاق عليها فستشهد المنطقة مرحلة تعاون سياسي واقتصادي وتشابك مفيد في مختلف المجالات، فأساس هذه المرحلة الثقة والاطمئنان، وستنقل المنطقة من مرحلة التوتر إلى مناخ عامر بالتفاؤل، تتحول فيه إيران إلى مساهم إيجابي في منظومة الأمان الخليجية، ويخرج العراق من اهتزازاته ومواجهاته الداخلية، عندها تزدهر المنطقة اقتصادياً وتنفتح عالمياً وتستقر سياسيا، ونعود إلى أجواء التآلف وحسن الجوار مع نهاية الاطماع واستعادة التآلف العراقي الداخلي، كما كان أيام العهد الهاشمي، ناشراً الصداقات مع الجوار ومع الأسرة العالمية.

وتخرج إيران من الزخم اللفظي الثوري وتتآنس عبدالله بشارةمع جميع الطوائف من شعبها وتنفتح مع الجوار الخليجي، وتسعى إلى فتح حوارات مع أوروبا والولايات المتحدة للاتفاق على لوائح جديدة حول برنامجها النووي لأهداف سلمية.

وإذا تحقق هذا الأمل فسنرى مستقبلاً هادئاً تتسع فيه الشهية نحو المعرفة والإبداع مع عالم الاكتشاف والانفتاح.