هل يمكن أن يكون قبول الجزائر المفترض عضواً في تكتل "بريكس" في شهر آب ( اغسطس) القادم، إذا وافقت على ملفها الدول المحورية فيه وهي الصين وروسيا والهند، انتصاراً للدبلوماسية الجزائرية حقاً أم أن عضويتها في هذه المجموعة ستكون مجرد ديكور بمواجهة القطبية التي تسعى الصين وروسيا إلى تحقيقها لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية وتحالفاتها الكبرى؟

ولماذا لم تتمكن الدبلوماسية الجزائرية حتى الآن من ابتكار مشروع وطني يؤدي إلى تهيئة الأرضية الثقافية والاعلامية التي تكون جسر التواصل الدائم مع شعوب مجموعة بريكس؟ ولماذا بقيت علاقة الجزائر بالاتحاد الأفريقي مجرد ظاهرة مقطوعة عن مصادر القوة الناعمة التي تعد الضمانة الحقيقية لأي تواجد جزائري فاعل في مثل هذه المنظمة القارية أو في غيرها ؟

ولماذا لم تتمكن وزارة الخارجية الجزائرية من استثمار طاقات الجالية الجزائرية في أوروبا كقوة ضاغطة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً، علماً أن تعداد أفرادها يقدر بخمسة ملايين نسمة أي بما يعادل تعداد سكان بعض الدول في أوروبا أو حتى في منطقة الخليج العربي؟

ففي الواقع فإن الاطلاع على قائمة أسماء المسؤولين الكبار المعتمدين كإطارات في وزارة الخارجية الجزائرية يوضح أنها تفتقد إلى الشخصيات ذات التأثير الدولي أو الأفريقي أو العربي أو المتوسطي ناهيك بالدولي على مستوى الاستراتيجيات سياسياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً.

وأكثر من ذلك فلا تتوافر في هياكل وزارة الخارجية والجالية الجزائرية لجان وطنية متكونة من الفاعلين المتخصصين، سواء كانوا جامعيين في الجامعات الجزائرية أم ينتمون إلى نخب الجالية الوطنية في الخارجية، أم كانوا من الشخصيات السياسية والثقافية والفكرية الوطنية التي لها خبرة واسعة في مجال العلاقات الدولية. وفضلاً عن ذلك فإن الجزائر تفتقر بشكل كلي إلى مراكز الدراسات الدولية، سواء داخل الوطن أم حيث تتواجد الجالية الوطنية في الخارج. بالنظر إلى هذه المعطيات، فإن الدبلواسية الجزائرية كانت ولا تزال تعتمد على هذا الفرد أو ذاك وعلى توجيهات رئيس الدولة، علماً أن الرؤساء الذي تعاقبوا على الحكم في الجزائر ليسوا متخصصين كلهم في السياسيات الاستراتيجية الدولية.

ففي التعديل الوزاري الذي أجراه أخيراً الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تعالت الأصوات، وبخاصة على مستوى وسائط التواصل الاجتماعي، بخصوص رحيل الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة من الساحة الدبلوماسية واستبدال الوزير والسفير الجزائري السابق أحمد عطاف به، هو الذي ينظر إليه الرأي العام الوطني على أنه وجه قديم وليس هناك مبرر لإخراجه من الأرشيف مجدداً، لأنه لم يحدث في الماضي أي تحوّل راديكالي في السياسات الخارجية الجزائرية.

والجدير بالذكر هنا هو أن المراقبين لشأن السلك الدبلوماسي الجزائري يرون أن هذا السلك لا يكتنز فعالية ملموسة لها ثمارها، على الأقل منذ رحيل الرئيس هواري بومدين، فقد انكمش وتضاءل حجمه لسبب يحصر غالباً في غياب استراتيجية خارجية للجزائر، سواء أكانت اقتصادية أم ثقافية أم إعلامية أم كل هذه العناصر مجتمعة على المستوى المغاربي، والعربي، أو الأفريقي أو المتوسطي بشكل محدد.

ويبدو واضحاً أن الرئيس الحالي عبد المجيد تبون وجد نفسه منشغلاً بإيجاد الحلول للمشكلات الداخلية الصعبة التي ورث أعباءها عن مرحلة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وجماعته مثل الفوضى السياسية التي عمقها استيلاء المجموعة المدعوة بالعصابة على ثروة البلاد وتهريب مليارات الدولارات إلى الخارج، وآثار الحراك الشعبي الذي تعثر ولم ينجح في بناء هوية سياسية وطنية جديدة تحل محل ثقافة الحكم الفردي أو الشللي وتعيد الحياة إلى التعددية الحزبية التي توجد حالياً في غرفة الإنعاش، وغلاء المعيشة، والبطالة المستشرية، فضلاً عن انعدام الإطارات المفكرة الكفوءة داخل جهاز الرئاسة التي يفترض أن تكون إلى جانب الرئيس وأن تلعب دور المحرك الديناميكي للتنمية الوطنية بكل أشكالها، بما في ذلك تنمية العلاقات الصلبة مع دول العالم.

وفي الواقع فإن السياسة الخارجية الجزائرية أصبحت محصورة راهناً في انتقاد الرئاسة الفرنسية وحكومتها بهدف انتزاع الاعتراف منها بوجود هوية الدولة الجزائرية قبل الاحتلال الفرنسي، وبمجازر الجيش الفرنسي طوال حقبة هذا الاحتلال من 1830 إلى عام 1962 من جهة، ومن جهة أخرى، فإن سياسات الجزائر مع الاتحاد الأفريقي تختزل في التصدي للوجود الاسرائيلي فيه، وفي التنافس حول نفط نيجيريا وغيرهما من الأمور.

في ظل هذا الوضع يلاحظ المراقبون الدبلوماسيون أن نفخ الحياة في جسد الدبلومسية الجزائرية مرهون بإعادة النظر في مسائل أساسية عدة منها التقليل من الاعتماد المفرط على تعيين وزراء أقيلوا من مناصبهم في السلك الدبلوماسي، وعلى خريجي المدرسة الوطنية للإدارة الذين يعانون من نقص التكوين الفكري والسياسي والخبرة بمجتمعات الدول وبحضاراتها وتاريخها وثقافاتها، تلك التي تهدف الجزائر إلى ربط العلاقات الحيوية معها على نحو يضمن تحقيق الحوار والتكامل في ميادين الثقافة والتعليم والإعلام جنباً إلى جنب تبادل المنافع الاقتصادية وتكريس التعاون الأمني المشترك بما في ذلك الأمن الغذائي والأمن الثقافي.

وفي هذا الخصوص نجد الشرائح المنتمية إلى المجتمع المدني الجزائري تشكو من عدم تأسيس الدولة الجزائرية مراكز الدراسات الدولية الاستراتيجية والمدارس العليا المتخصصة في تكوين إطارات الدولة التي يعول عليها في إنجاز مهمة إحداث تحول جذري في الدبلوماسية الجزائرية وتلقيحها بالروح الحداثية الهادفة جوهرياً إلى تحصين العمل الدبلوماسي الجزائري بالوازع الثقافي والحضاري وإسناد هذه المؤسسات إلى أبرز الشخصيات الوطنية السياسية المفكرة. وزيادة على ذلك فإن سياسات تعيين الملحقين الثقافيين والإعلاميين الجزائرين المعمول بها على مدى سنوات طويلة لا يتوافر فيها أي معيار.

ثم أن المراكز الثقافية الجزائرية الموجودة في الخارج تنحصر في مركزين ثقافيين في فرنسا والقاهرة فقط، علماً أنهما بلا مردودية تذكر، ويلاحظ عدم وجود مراكز ثقافية وإعلامية جزائرية لها تأثير حقيقي في الدول المحورية في آسيا وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية، وفضلاً عن ذلك ليس هناك استثمار في العقول الجزائرية المقيمة في المهاجر الأجنبية، كما لا توجد سياسات جزائرية مخطط لها أن تضطلع باستقطاب العلماء والمفكرين وكبار المثقفين والدارسين الأجانب لتستفيد الجزائر من خبراتهم، ولقد أدى هذا ولا يزال يؤدي إلى انكماش الجزائر على نفسها وإلى تعتيم صورتها في المسرح الدولي بشكل عام.