الوقائع التاريخية تتجاذبها أقاويل مدونة أو شفوية، وكل قول يخضع للميول وليس للحقيقة، وإذا تعمقت مقولة تاريخية بالترديد أو سرت على لسان عدة مؤرخين يصبح البحث عن الحقيقة من الصعوبة بمكان.

أقول هذا، بعد محاولات مضنية في تتبع سيرة شخصية تاريخية رغبت أن أكتب عنه رواية، ولم يسبق لي أن انغمست في كتابة شخصية روائية كوني أؤمن أن الرواية إذا دخلت التاريخ فسوف تكون سجينة للوقائع لا تمكّن الخيال من الانطلاق، كما أن غياب الحقيقة تجعل الرواية تجدّف بين مقولات ليست صائبة، فكما يميل المؤرخ سوف يجد الروائي نفسه ميالاً لتثبيت أقاويل ربما تبتعد عن الحقيقة بمسافات كبيرة، والكاتب الروائي مثله مثل أي مدون ينتفي عنه الحياد، وأعتقد أن ليس هناك كتابة محايدة مهما ادعى الكاتب أنه وقف على الحياد.

ومنذ فترة -ليست بالقصيرة- انشغلت بحثاً عن فترة تاريخية مرت بالمدينة المنورة، وكلما أمسكت بخيط قادني إلى خيوط متشابكة، متفرعة، ومع أهمية الحدث، وتداخل الشخصيات، وكثرة الوثائق، واتساع فضاء السرد بين عدة دول، غدا تجميع الأحداث المتنافرة في (مغزل) واحد يحتاج إلى ألاعيب سردية تكسر تمدد الزمن، وانتقاء الأهم من الأحداث.

ومازلت في حالة (شربكة) أعتقد أني سأبقى سجين تلك الخيوط العنكبوتية.

هذا القول سبق وأن تحدث به كفاتحة لسؤال كبير ذهب إلى عدة جزئيات تتمثل في:

- هل تم استعادة (المقتنيات المقدسة) التي تم إرسالها إلى الشام ومن ثم إلى إسطنبول؟

- وعلى قدر معرفتي أن استعادة تلك المقتنيات، لم تعد أو لم يبت فيها، وهذا ادعى لأن تتحرك الجهات المعنية في البلاد لأن تستعيد إرثاً له خصوصية نادرة، كون المقتنيات مقدسة للبلاد، وتخص المسجد النبوي تحديداً، وإن أردت العودة إلى التاريخ ككتب، أو مسلسلات على القارئ أو المشاهد فرصة العودة للتنقيب بين ما يشاع وبين وقائع التاريخ في زمنيته، والتأكيد أن الحياد منتفٍ سواء لدى الكاتب أو القارئ، فالواقع يدفن وقائع التاريخ، وتظل الأحداث التاريخية هي الجثث التي تسحبها الأيام خلفها.