تصف الكاتبة الإنجليزية دوريس ليسينغ في روايتها "يوميات جون سومرز" (والتي نشرتها تحت اسم مستعار)، تصف الوحدة والعزلة لدى كبار السنّ في الدول المتحضرة، وخاصة في أوروبا وأميركا بأنها صعبة وموحشة، وذكرت في مقابلة معها: "أصبح من الطبيعي في المجتمعات الغربية الثرية أن يُترك كبار السن ويهملوا. نعم يُبذل الكثير للحفاظ على حياتهم، إلا أنها ليست حياة".

وتعتقد الكاتبة أن هذا السلوك ملازم للمجتمع الغربي، حيث تقول: "في أفريقيا، حيث نشأت، لا يمكن أن يَهجُر كبار السنّ بيوتهم، كما أنهم لا يَقبلون أن يودعوا مراكز الرعاية، حيث لا يفعلون شيئاً سوى انتظار الموت. لقد التقيت بالكثير من الهنود والصينيين الذين كانوا في غاية الاستياء من الطريقة التي يعامل فيها كبار السن في أوروبا".

وفي المجتمع المسلم يلقى كبار السنّ كثيراً من الاهتمام والرعاية على مستوى الأسرة، يعزز ذلك ما ورد في الدين من حثّ على البرّ بالوالدين، وتقدير الكبير، وفضل ذلك في الدنيا والآخرة، إضافة إلى العادات والتقاليد التي يتوارثها الأبناء من الآباء والأمهات، وتحث على التقدير والاهتمام والرعاية. كما أن أنظمة الدولة في المملكة تولي اهتماماً ورعاية لكبار السنّ كما هو في مواد نظام الحكم التي تكفل حقّ كل مواطن وأسرته في العيش الكريم، والتكفل باحتياجاته وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة. وتبذل جمعية وقار (الجمعية السعودية لمساندة كبار السنّ) جهوداً مستمرة لاستصدار الأنظمة وتطبيقها. كما أن لدى الضمان الاجتماعي برامج كثيرة ومتعددة، إضافة إلى جمعيات البرّ المنتشرة على مستوى المملكة.

وبفضل الرعاية الصحية تتجه الشعوب نحو المزيد من الشيخوخة، ولا يزال المجتمع السعودي شاباً، لكنه يتجه كغيره لزيادة نسبة من تجاوزوا الخامسة والستين، وهذا يحتم علينا القيام بالخطوات الآتية:

أولاً: المحافظة على العمر البيولوجي، وهو العمر الذي يتمتع فيه الإنسان بالصحة والقدرة على العطاء، وهذا يختلف عن العمر الحقيقي الذي يحسب بالسنوات بين الولادة والوفاة. وكلما كان العمر البيولوجي ممتداً وقريباً من العمر الحقيقي قلّت أمراض الشيخوخة والمعاناة. وهذا يتطلب وعيا مبكرا بأهمية المحافظة على الصحة في سنّ مبكرة، وقبل أن تستوطن الأمراض الجسم. ومنه المحافظة على الوزن المثالي، وممارسة الرياضة، وتناول الغذاء الصحي، والابتعاد عن العادات المضرة وخاصة التدخين والسهر والكحول وغيره. توعية الناس بهذه الممارسات يصحح مفهوم التوكل والتواكل. فالتواكل إهمال بدعوى أن كل شيء مكتوب ومقدر، بعكس التوكل الذي يحث على الأخذ بالأسباب، وأن الله بعدله قد منحنا القدرة على التفكير، والعمل لتغيير الحاضر لما هو أفضل.

ثانياً: رعاية كبار السن وفاء وعبادة، وهذا يتطلب من الدولة أن تبحث عن أفضل الممارسات على مستوى العالم لتتبناها الجهات ذات العلاقة، وكما يقال: "لا حاجة بنا لاختراع العجلة" فالأنظمة موجودة ومطبقة. وحين كنت مع أحد كبار السن في نيوزيلندا، عدد لي ميزات كثيرة يتمتعون بها، وتسهيلات في النقل العام والعلاج وغيرها. وحين أردت أن أدفع قيمة المشتريات، قدم بطاقته ودفع المبلغ ليحصل على الخصم لمن هم فوق الخامسة والستين، على أن أدفع له لاحقاً.

رعاية كبير السن داخل الأسرة بحاجة إلى جهود مشتركة من الجهات الحكومية، والمنظمات الأهلية غير الربحية، مثله مثل ذوي الإعاقة، فليس كل الأسر قادره على تحمل أعباء ومتطلبات رعاية كبير السن.

ثالثاً: يواجه كبار السن تحديات كثيرة في المجتمع، منها نقص الوعي بأهمية مشاركة كبار السن في مختلف الأنشطة الرياضية والبيئية والسياحية ودورها في تحسين حياتهم، وإشعارهم أنهم جزء فاعل في المجتمع. وهذا يتطلب دعوتهم وتشجيعهم ووضع جوائز رمزية وشهادات تقدير للمشاركين من كبار السن. كما أنه من المهم أن تستثمر خبراتهم في مجالات تناسب تخصصاتهم وقدراتهم. وفي اليابان يعد المتقاعدون محركا أساسيا للاقتصاد المحلي خصوصاً في السياحة، كما يقدم كبار السنّ أفضل الاستشارات للشباب في مجال إقامة المشروعات الجديدة. كما يوجد جامعة في مدينة (كالوجاد) لا يلتحق بها إلا من تجاوز سنّ الستين.

أفضل الدول وأكثرها نجاحاً هي التي تهتم بأضعف حلقات المجتمع من كبار السن وذوي الإعاقة والأرامل والفقراء، وفي البر بهم خير وبركة، وهذا مصداق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم"