وقع ما يقرب من ألفي عالم وخبير في رسالة مفتوحة نشرت مؤخراً دعت إلى التمهل في تطوير الذكاء الاصطناعي بعد ظهور النسخة الرابعة من تطبيق الدردشة (جي تي بي) الذي يفوق النسخة الثالثة قوة ثماني مرات. المخاوف التي عبرت عنها الرسالة نابعة من الاعتقاد أن الذكاء الاصطناعي قادر على الوصول إلى قدرة الإنسان بل تفوقه في جوانب مختلفة في ما يعرف اليوم بالذكاء الاصطناعي العام.

تقول الرسالة في مطلعها: يمكن أن تشكل أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات الذكاء التنافسي البشري مخاطر عميقة على المجتمع والإنسانية، كما يتضح من الأبحاث المكثفة والمعترف بها من قبل أفضل مختبرات الذكاء الاصطناعي. كما هو مذكور في مبادئ أسيلومار للذكاء الاصطناعي التي تم إقرارها على نطاق واسع، يمكن أن يغير الذكاء الاصطناعي المتقدم تغييراً عميقاً في تاريخ الحياة على الأرض، وينبغي التخطيط له وإدارته بعناية وموارد متناسبة. لسوء الحظ، لا يحدث هذا المستوى من التخطيط والإدارة، على الرغم من أن الأشهر الأخيرة شهدت حبس مختبرات الذكاء الاصطناعي في سباق خارج عن السيطرة لتطوير ونشر عقول رقمية أكثر قوة لا يمكن لأحد - ولا حتى منشئيها - فهمها أو التنبؤ بها أو التحكم فيها بموثوقية.

تحيل الرسالة إلى مبادئ أسيلومار للذكاء الاصطناعي التي أعلن عنها في ختام مؤتمر عقد بحضور مئة خبير في مجال الاقتصاد والتقنية والفلسفة في كاليفورنيا في أوائل يناير 2017م . فقد اتفق المشاركون على 23 مبدأ للاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتطويره بما يخدم البشرية. تتضمن المبادئ الأهداف البحثية والتمويل وتجنب التنافسية. وتأخذ الأخلاق حيزاً كبيراً من الاهتمام، مثل: الشفافية، الأمان، المسؤولية، الخصوصية. ويرد في معرض المبادئ الأخلاقية مسؤولية الإنسان نفسه عن منتجه وهو مبدأ السيطرة: يجب على البشر اختيار الكيفية والماهية التي سيفوضون بها القرارات إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي، لتحقيق الأهداف التي يختارها الإنسان.

بالنظر إلى المخاوف التي تعد حقيقية في نظر الخبراء، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخرج عن السيطرة بسهولة وبسرعة. وبظهور النسخة الرابعة من تطبيق الدردشة (جي تي بي) أصبح شبح فرانكشتاين يتقدم مترنحاً قادماً من بعيد. فرانكشتاين أو بروميثيوس الجديد، كما هو عنوان الرواية الشهيرة التي كتبت في القرن التاسع عشر، وهو الكابوس الذي صنعه الإنسان لنفسه؛ أصبح اليوم حقيقة متمثلة للأذهان في الذكاء الاصطناعي الفائق الذي لا يبدو لهم بعيداً.

هل المخاوف التي عبر عنها الخبراء في رسالتهم حقيقية؟ ينطوي هذا السؤال لو أردنا تفكيكه عن مفهوم الذكاء الذي يعتقد أن الحاسب الآلي قادر على تحقيقه، كما ينطوي على فهمنا لذكائنا نحن الذي لا نسلم بفهمه تماماً إلى الآن. ولتناول السؤال بعمق، علينا أن نعود إلى الأصول المعرفية التي تنطلق منه هذه المخاوف في مقالة مقبلة.