أخطر ما يمكن أن يواجه أي دولة في العالم قناعة المواطن البسيط أن دولة المؤسسات غير موجودة على أرض الواقع وأن كل الحديث حولها مجرد شعارات ترفع لتحقيق أهداف معينة ليس للمواطن أي مصلحة في تحقيقها، عندها لن يذهب الناخب لاختيار من يمثله في البرلمان ولن يثق المواطن البسيط بوعود الحكومة والوزراء، ومع الوقت ستتكون لديه قناعات جديدة.

هناك إحساس شعبي يتمدد في أن المؤسستين «التنفيذية والتشريعية» تواجهان مأزقا كبيرا يتمثل في عدم قدرتهما على مواجهة التحديات التي تتسيد الساحة المحلية والاستجابة لها كما يجب، الأمر الذي ترك فراغا كبيرا دفع بالعناصر الوطنية المميزة إلى الابتعاد عنها، وفي مثل تلك الخطوة إضعاف لتلك المؤسسات وتراجع دورها، مما يسمح للعناصر الأقل كفاءة وتميز إلى شغل ذلك الفراغ.

الإحجام عن المشاركة الشعبية ترشيحا وانتخابا للانتخابات البرلمانية المقبلة مؤشر خطير، خاصة مع تعاظم الحديث عن شبهات تزوير في إرادة الناخبين للانتخابات الماضية والتي سبقتها، والبعض يتحدث عن شبهات طالت الانتخابات منذ عام 2012، لأن في هذا الإحجام خسارة فادحة على كل الأصعدة، وما يتسرب هنا أو هناك عن اعتذارات قادمة وربما انسحابات لبعض من قيدوا أنفسهم كمرشحين ظاهرة تستحق التوقف عندها مليا.

التجربة الديموقراطية في البلاد مرت بانتكاسات كثيرة، أبرزها الحرب الشعواء التي شنها التيار الإسلامي عليها من خلال المشاركة وتخريبها من الداخل بخلاف التشكيك بها وعدم قدرتها على مواجهة القضايا العالقة وحلها، لكنها تمكنت من التعافي من تلك الانتكاسات في كل منعطف يواجهها، إلا هذه المرة فنحن أمام تحد صارخ قد تكون له تداعياته الواضحة والمخفية، كما أن العزوف عن المشاركة في السلطة التنفيذية بات واضحا خلال السنوات الماضية مما أضعف من قدرة الحكومات على العمل سياسيا وإداريا كما يجب، حتى بات الجميع يتندر بالتشكيلات الحكومية المختلفة، وكما يبدو فان بقية المؤسسات ليست على خير حال وتعاني هي الأخرى، مما يجعل المواطن البسيط في حيرة.