العزوف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة (ترشحاً)، كما يبدو من الأرقام المنشورة مؤشر خطير، ويعني الوصول إلى قناعة شعبية بأن مؤسسة البرلمان باتت عاجزة عن القيام بعملها كما يجب، وأن الأجدى هو تجاهل مثل هذه المؤسسة، والبحث عن مسالك وقنوات أخرى لإيصال صوت المواطن البسيط، ومن خلال تلك المسالك والقنوات مواجهة رموز الفساد بشكل مباشر.

من كان لديهم حماس للمشاركة كمرشحين لم يعودوا كذلك، خصوصاً عندما رأوا كيف تهافت الكثيرون ممن كانوا يطرحون أنفسهم كمحاربين للفساد، ومن أطلقوا صرختهم الشهيرة لا لعودة ثلاثي الفساد على التحالف مع سراق المال العام من أجل الفوز بمكسب هنا وآخر هناك، وعندما رأوا أيضاً أن من يحاول أن يتصدى لموجة الفساد يتعرض إلى الهجوم والتشكيك ليل نهار من جانب التحالف الجديد، لذا آثروا، وهم كثر، الابتعاد.

أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة الأسبق أصبح بشكل واضح وصريح يستند إليه موقف كل نائب أو مرشح من انتخابه لمنصب رئيس مجلس الأمة، بغض النظر عمن يقف خلف الحملة الداعمة له للوصول إلى ذلك الكرسي، وعندما وصل المرة الماضية لفّ كل تلك الطروحات، التي طربنا لسماعها فترة طويلة من الزمن، في مشهد كان ليعجز كل مفكري السريالية ليرسموا لوحته.

أتوقع أن يلحق بعزوف الترشح عزوف الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم، وتلك الطامة الأكبر برأيي، لأنها تعني أننا أمام مرحلة جديدة ستنحصر ملامحها في طرفين (سلطة، مواطن)، بعد أن فقدت الجماهير الثقة بالحكومة والبرلمان في آن واحد، وباتت تتجه بمطالبها، والتي أصبحت تشكل الآن مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، إلى من بيدهم القرار من دون المرور بتلك القنوات المؤسسية، التي ظلت ردحاً من الزمن تحكم تناغم اللعبة السياسية، الأمر الذي يجعلنا نتخوف جميعاً.