تشهد منطقة الشرق الأوسط إعادةَ تشكيل للعلاقات السياسية بين دولها على أساس براغماتي يتجاوز الاصطفافات الحزبية والتدخلات الخارجية في الأزمات الناتجة عن ما سمي في حينه «الربيع العربي» طوال عقد من الزمن حتى جاءت أزمات وباء كورونا والحرب الأوكرانية والزلازل في تركيا وسوريا، لتعيد تقويم الأولويات وتشكل نافذة لاستعادة العلاقات المقطوعة وإعادة ترتيب المصالح المشتركة.
وعادت العلاقات الدبلوماسية المصرية التركية إثر اتصال هاتفي من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتهنئة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إعادة انتخابه رئيساً لتركيا لفترة رئاسية جديدة، حيث اتفقا على البدء فوراً في ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء.
ومرت العلاقات المصرية التركية بخريف منذ عام 2014، وكمحصلة لتوتر العلاقات، قطعت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وازدادت حدة الخلاف السياسي حول الملفات الإقليمية التي تتقاطع أو تتوازى فيها السياسة المصرية والسياسة التركية، كملف أمن الطاقة والأمن الإقليمي، وتحولت العلاقة بين البلدين إلى نموذج للحرب الباردة التي انعكست على الملفات الإقليمية. لكن تركيا عادت في محاولة لاستعادة سياسة «تصفير المشاكل» مع محيطها، سعياً لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.
وشهدت العلاقات المصرية التركية في عام 2021، تطوراتٍ بدأت بتصريحات تركية إيجابية تلتها خطوات عملية، حيث فرضت تركيا عدداً من الضوابط على الإعلاميين المحسوبين على تنظيم «الإخوان» بشأن وقف التحريض ضد مصر، وهو ما اعتبرته الحكومة المصرية بادرةَ استجابة من أنقرة نحو الجدية في تطبيع العلاقات بين البلدين.
وخلال سنتين من المفاوضات، بدأت بإرسال وفد تركي إلى مصر، وتبعت ذلك زيارةُ وفد مصري إلى تركيا، تطورت العلاقاتُ باتجاه إعادة تطبيعها، وذلك بعد لقاء رئيسي البلدين على هامش افتتاح كأس العالَم لكرة القدم بقطر، كما تحدث الرئيسان عبر الهاتف في أعقاب زلازل تركيا شهر فبراير الماضي، ثم زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا في أبريل، حيث التقى نظيرَه التركي، واتفقا على إطار زمني محدد لرفع مستوى العلاقات الدبلوماسية والتحضير لاجتماع قمة بين البلدين.
إن مصر وتركيا بحكم الموقع والتاريخ والثقافة، تشكلان مركزَ ثقل واستقرار لشرق البحر الأبيض المتوسط، وتتقاسمان العديد من الملفات، وخطوات التوافق والتعاون في هذه الملفات من شأنها تغيير موازين القوى الإقليمية. وما من شك في أن إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر خطوة تنطلق من مصلحة مشتركة، وتتوافق مع المتغيرات الإقليمية والدولية الدافعة للمصالحات والتهدئة الإقليمية.