تدبير في زمنه ومكانه الصحيحين ما أقرته الهيئة العربية للمسرح في الشارقة بأن يجري تنظيم الدورة الرابعة عشرة (٢٠٢٤) من مهرجان المسرح العربي في بغداد، وبغداد واحدة من العواصم العربية العريقة التي ظهر فيها المسرح منذ عشرينات القرن العشرين، وبالعودة إلى تاريخ المسرح العراقي من خلال رموزه ونخبه التاريخية المثقفة نعرف أن من أوائل الفرق المسرحية في العراق فرقة أسّسها حقّي الشبلي في العام ١٩٢٧.

بهذه المناسبة لا حاجة لنا لاستعراض التاريخ المسرحي لبلد جميل مثل العراق، فهو تاريخ معروف للمتخصصين العرب في هذا الفن الرّاقي، لكن المناسبة في حدّ ذاتها تبعث في وجدان كل مثقف عربي نوعاً من التفاؤل بعودة الحياة الثقافية إلى بلاد الرّافدين، بلاد الشعر والأسطورة اللذين قام المسرح عليهما منذ فجر الثقافات والفنون في العالم.

اختيار الهيئة العربية للمسرح إقامة المهرجان في بغداد هو ضمنياً ورمزياً تحية للثقافة العراقية والفن العراقي اللذين كابدا الخسران والإحباط على مدى سنوات طويلة من المعاناة العراقية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى المعاناة العرقية والمذهبية وهي الأسوأ حين يُنظر إلى الثقافة من زاوية إنسانية تعايشية لا تفرّق بين إنسان وآخر، ويأتي المسرح ليعزز هذه القيمة النبيلة بالفكر والفن والجمال.

من هذه الزاوية التفاؤلية ننظر إلى الدورة القادمة من مهرجان المسرح العربي في بغداد، والمهرجان وفقاً لاسمه ونظامه وترتيباته الفنية والإدارية يرمز لوحدة الثقافة العربية، ووحدة المثقفين العرب التي يكرّسها بالضرورة فن المسرح برجالاته ومتخصصيه العرب.

في السياق النبيل هذا نؤكد على الدور العزيز والأخلاقي في الوقت نفسه الذي تقوم به الهيئة العربية للمسرح.. الجهة النشطة عربياً من موريتانيا إلى مصر، ومن تونس إلى الأردن بلا استثناءات، لتنقل الهيئة ثقافة المسرح إلى الخشبات العربية، وتستقطب في عملها المرن والمنتظم جمهورين مسرحيين لا جمهوراً واحداً:.. الأول جمهور العروض في صالات الخشبة والستارة، والثاني:.. جمهور القراءة المتخصصة في أدب ونقد وجماليات المسرح، وعند هذه النقطة نقول إن الهيئة أوجدت مكتبة مسرحية متكاملة تضم المئات من العناوين المتخصصة التي صدرت عنها بانتظام.

الدورة ال ١٤ من مهرجان المسرح العربي تبدأ من ١ إلى ١٦ يناير ٢٠٢٤.. أيام جميلة ننتظرها بمحبة وتفاؤل في بغداد.