سألتُ شخصيّة فرنسيّة عن صحّة ما يقال عن الملف اللبناني في ضوء لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان وصلة ذلك بالزيارة المرتقبة غدًا الأربعاء لجان إيف لودريان، الممثل الشخصي لماكرون، الى لبنان فأجابت: من يعرف لا يتكلّم ومن لا يعرف لا يصمت".
ولكن عمّا يصمت العارفون؟
تجيب الشخصيّة:" عن كل ما يمكن أن يُنهي مهمة لودريان قبل أن تبدأ، فلو أنّ باريس أو الرياض اتّخذت موقفًا لمصلحة هذا الفرق أو ذاك، لانتهت مهمة وزير الخارجية الفرنسية السابق الذي يتوجّه الى لبنان، هذه المرة، متقصيًّا الحقائق، وليس فارضًا الوقائع".
ولذلك لا بدّ من العودة الى البيان الذي أصدرته الرئاسة الفرنسيّة عن النقطة التي توافق عليها ماكرون وابن سلمان بخصوص لبنان والتمعّن به، إذ إنّ المسؤولين حددا مشكلة لبنان الراهنة بالفراغ الرئاسي الذي ينتج عنه فراغ سياسي مؤسساتي، واعتبرا أنّ الحلّ يكمن في وجوب وضع حدّ لهذا الفراغ.
وهذا يفيد بأنّ ماكرون وابن سلمان متفقان على أنّ مشكلة لبنان ليست في نظامه السياسي بل في أداء قواه السياسيّة، وهما بالتالي، وخلافًا لما يتردّد هنا وهناك، ليسا في طور التحضير لمؤتمر دولي يطرح المشكلة اللبنانية على بساط البحث، بل هما في طور البحث عن السبل الآيلة الى حلحلة العقد التي تحول دون انتخاب رئيس الجمهورية الجديد.
وتلفت الشخصيّة الفرنسيّة نفسها الى وجوب التوقف عند صدور بيان بهذا الصدد عن الرئاسة الفرنسية حصرًا، في وقت كان يمكن أن يصدر بيان مشترك عن ماكرون وابن سلمان أو بيان مماثل للبيان الفرنسي عن رئاسة مجلس الوزراء السعودي.
وهذه نقطة لها دلالاتها، إذ إنّ السعوديّة، في هذا الموضوع، قرّرت بما أنّ لها تأثيرًا مباشرًا في لبنان، "تحييد نفسها"، فاسحة المجال أمام لودريان لتشخيص المشكلة وتقديم مروحة الحلول الممكنة، الأمر الذي يعفي لبنان، في هذه المرحلة، من التفاعلات السلبية لمعادلة " الغالب والمغلوب"، لأنّ الرياض، في حال اقتحمت الملف الرئاسي لمصلحة القوى "الأقرب الى قلبها وعقلها"، قسّمت لبنان بين قوّة قادرة على إيصال مرشّح للرئاسة وقوى أخرى قادرة على تعطيل النصاب لجلسة الإنتخاب.
بناء عليه ماذا يمكن أن يفعل لودريان في زيارته المقررة غدًا الأربعاء الى لبنان حيث سيعقد اجتماعات مع جميع القوى النيابية؟
وفق الشخصيّة الفرنسية، فإنّ لودريان سيحمل معه خمسة أسئلة تتمحور حول الآتي:
أوّلًا، هل كل القوى الفاعلة في لبنان تعتبر أنّ بداية الحل تكمن في انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، أم أنّ هناك قوى تدّعي الرغبة في ملء الشغور الرئاسي ولكنّها مرتاحة الى استمراره؟ وفي حال وجدت هذه القوى، فهل هي متحالفة أصلًا أم تتقاطع من موقع الخصومة؟
ثانيًا، هل يعتقد "الثنائي الشيعي" بأنّه قادر على إيصال رئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، على الرغم من شبه الإجماع المسيحي ضدّه، ورفض أكثرية وطنية لوصوله الى القصر الجمهورية؟ وفي المقابل، هل تظن القوى المعارضة لفرنجية بأنّها قادرة على إيصال مرشّحها جهاد أزعور الى القصر الجمهوري، رغمًا عن "الثنائي الشيعي"؟
ثالثًا، في حال ثقة هذه القوى بقدراتها، فهل أدواتها شرعية ودستوريّة وتحترم الآليات الديموقراطية، حيث التوافق بلا قهر، وحيث الإنتخاب بلا فرض؟
رابعًا، هل يمكن أن يقبل "حزب الله" بشخصية أخرى غير فرنجية؟ وفي حال النفي، لماذا يحصر خياراته بمرشح واحد، على الرغم من دعواته الى الحوار؟ وفي حال الإيجاب، من هي الأسماء التي تتشكّل منها لائحته؟
خامسًا، هل قوى المعارضة ترفض فرنجية نظرًا لصفاته الشخصية أم بفعل صفاته السياسيّة، وفي هذه الحالة هل هي مستعدة لتتلاقى مع "الثنائي الشيعي" على منتصف الطريق، للتوصل الى تفاهم رئاسي له انعكاسات على مرحلة إعادة إحياء المؤسسات في البلاد؟
وهذه الأسئلة الخمسة التي يحملها لودريان الى لبنان، يمكنها، للمرّة الأولى، أن تقدّم تشخيصًا معمّقًا لأزمة الفراغ الدستوري في لبنان، وتعينه على نقل بلاده من موقع "الطرف المتورط" الى موقع "الوسيط النزيه".
ولكنّ هذه الأسئلة لا تعني أنّ فرنسا غيّرت استراتجيّتها تجاه لبنان، فهي لا تزال تعتقد بأنّ ثمّة ثمنًا لا بدّ من دفعه إلى "الثنائي الشيعي" من أجل إطلاق آلية تأخذ بالإعتبار ملاحظات سليمة تقدّمها القوى المناوئة له.
وعليه، فإنّ السؤال الذي لا بدّ من أن يطرحه الجميع على لودريان: هل فرنسا تخلّت عن توقيعها على قرارات مجلس الأمن الدولي التي تصر على نزع سلاح "حزب الله" بسبب تأثيراته الخبيثة على السيادة اللبنانية وعلى السلم والأمن الإقليميين؟
وتعليقًا على هذا السؤال، تقول الشخصية الفرنسية:" لعلّ هذه النقطة الحسّاسة هي التي أبعدت السعودية التي تدرج "حزب الله" في لوائح التنظيمات الإرهابية عن إبداء حماسة للعب دور فاعل في ملء الشغور الرئاسي في لبنان".
- آخر تحديث :
التعليقات