المتنبي في زيارة لأحد المستشفيات

هل خطر ببالك أي علاقة بين المتنبي وبين نوع الرعاية الطبية في مدينة الرياض؟
طبعا لا يمكن إلا في ثلاث حالات هي:
الأًولى: أن تكون ممن يترددون على العيادات الخاصة.
الثانية: أن تكون متقاعدا تبحث عما يشغل بالك من هموم من حولك من الناس.
الثالثة: أن تكون من عشاق المتنبي!
كيف؟
عشاق المتنبي يذكرون قصيدته في مدح بدر بن عمار، وقد صرع الأسد بسوطه لا بسيفه:
أمعفّر الليث الهزبر بسوطه
لمن ادخرت الصارم المصقولا ؟
والاستفهام هنا غير حقيقي؛ فالجواب معروف.
ما يهمنا هو وصف المتنبي للأسد بما يليق به من هيبة وأبهة لكي يوضح للقارئ أن هذا الأسد الذي أزعج الناس حول بحيرة طبرية أسد بكامل قواه الجسدية، فيقول:
وردٌ إذا ورد البحيرة شارباً
ورد الفراتَ زئيرُه والنيلا
ثم يأتي إلى بيت القصيد في هذه الرسالة، فيقول:
يطأ الثرى مترفقاً في تيهه
فكأنه آسٍ يجس عليلا
والآسي هو الطبيب. يشبه المتنبي مشية الأسد وهو يخطو، بكل تؤدة ورفق، بالطبيب وهو يجس نبض العليل أو المريض، وجه الشبه بين الحالتين هو التفرغ التام للحال، وهي مشية الأسد، من جانب وجس نبض المريض من جانب آخر! تصوروا المشهد:
الأسد يطأ الثرى مترفقاً، والطبيب يجس مريضه بكل رفق وتؤده. مشهد لا يفطن إليه إلا من رزقه الله قوة البصر والبصيرة، وحدة الفطنة، وبلاغة القول، وهي صفات توفرت للشاعر العظيم!
ترى لو بعث المتنبي، وزار إحدى العيادات الخاصة في الرياض أو غيرها، فماذا عساه أن يقول وهو يرى طوابير المراجعين، والطبيب وهو يعدو من غرفة إلى أخرى، ثمّ وهو يكشف على مرضاه، وعينه على الباب بانتظار المريض التالي؟ كم عدد المرضى الذين يكشف عليهم في الساعة؟
وهل لهذ العدد أي علاقة في تقييم المستشفى الدوري للطبيب، بل وهل شعور المستشفى بأن شركة التأمين هي التي ستدفع التكلفة أدى بنا إلى هذه الحالة، وهي وفرة العناية الصحية على حساب الجودة، وإذا كان هذا هو الحال في العيادات الخاصة، فكيف هو في المستشفيات الحكومية؟ أسئلة تبحث عن أجوبة وحلول!
رحم الله أبا الطيب. ما فتئ الأسد يطأ الثرى مترفقاً، لكن بقية الصورة ضاعت في زحمة المراجعين.