جميع العمليات في أجسادنا تحكمها الهرمونات من فرح وحزن وجوع وشبع وصحة وسعادة وألم وراحة. مواد كيميائية إفرازها من عدمه يقرر ما أنت عليه، لكن من الذي يتحكم بها وبمستوياتها ويجعل جسدك يفرزها أو يتوقف عن إفرازها؟ من أشهر العمليات الحيوية التي نعانيها يوميا مسألة الجوع الشديد أو الشبع المفرط خاصة أن حياة الإنسان تعتمد بشكل رئيس على مقدار ونوع ما يتناوله من غذاء يزوده بالطاقة، وحين نتجاوز الحد اللازم يقودنا الطعام للوقوع في شرك آفة العصر، السمنة، وفي خلال مسيرتنا لمقاومة السمنة والقضاء عليها نتوقع أن من يحكم هاتين الرغبتين تلك الرسائل المقبلة من الدماغ فقط، بينما الواقع أن هناك أكثر من محرك لجوعك، جزء منها نابع من خلاياك والجزء الأكبر ناتج عن تريليونات من كائنات صغيرة تحتل معدتك وأمعاءك تعرف بالميكروبيوم المعوي.

تفوق جينات هذه الميكروبات الجينات البشرية عددا بمعدل 100 جين لكل جين بشري، ما يمنحها القوة لتغيير سلوكنا الغذائي حسب مصلحتها. وهذا ما أثبتته عديد من الدراسات ومنها دراسة قارنت بين فئران برية تحتوي أمعاؤها على بكتيريا طبيعية وأخرى تحمل ميكروبيوم دخيلا، ووجدوا أن الفئران البرية تتبع استراتيجيات تغذية طبيعية مختلفة عن أنماط الاستهلاك الغذائي التي تتبعها القوارض صاحبة الميكروبيوم الدخيل، من خلال أفعالها المباشرة ونواتج التمثيل الغذائي والرسائل التي ترسلها من مقرها في الأمعاء.

وتحكم ميكروبات الأمعاء جوعك وشبعك، بل تجاوزت ذلك إلى تحديد نوع الغذاء الذي تأكله فتشعر مرة بهوس لتناول الحلويات ومرة أخرى تتوق إلى ساندويتش برجر، وتارة أخرى لصدر دجاج مشوي، أي إنها تستخدمك كوسيلة لتحقيق رغباتها! والسؤال الكبير هنا: هل يؤثر نظامنا الغذائي في ميكروبيوم أمعائنا أم أن ميكروبات أمعائنا هي من يحكم نوع وكمية غذائنا؟!

تتلاعب بكتيريا الأمعاء بنا من خلال التلاعب بمتلقيات التذوق لدينا، فتغير الإحساس بالأغذية وتذوقها، فلديها القدرة على تخفيف الحساسية للنكهات الحلوة والدهنية على سبيل المثال، ما يزيد كثافة هذه المحفزات. كما أن لديها القدرة على التنكر فتنتج بروتينات تشبه هرمونات الجوع والشبع وتلتحم مع المستقبلات فتحفزها أو تعترض طريقها.

ووجد الباحثون أيضا أن ميكروبات الأمعاء تستطيع تخفيف حساسية الدماغ للبتين الذي تفرزه دهون الجسم والمسؤول عن تثبيط الجوع، الذي يزداد الشعور به كلما قل تنوع ميكروبات الأمعاء، ونشعر بالشبع عند اكتمال الأنواع البكتيرية. لذا لا بد من تناول الغذاء الملائم لبكتيريا الأمعاء إذا أردنا أن نتحكم في طعامنا وأوزاننا.