أدى سوء الإدارة والاستغلال الأجنبي وارتفاع معدل المواليد في النيجر، الذي يصل في المتوسط إلى 7 عند كل عائلة، إلى زيادة حدة الفقر في هذا البلد. ولهذا، فإن إزاحة قوات الحرس الرئاسي، بقيادة الجنرال عبدالرحمن تشياني، للرئيس المنتخب محمد بازوم لم تكن مستغربة، مثلما لم تكن مستغربة ردة فعل الدول الكبرى على ما حدث. فالمشكلة، لا تكمن في الانقلاب كما يبدو للوهلة الأولى، وإنما في كون الرئيس المطاح به شريكاً قوياً لفرنسا. بل إن الأمر يتعدى ذلك فهذا الانقلاب يعتبر الانقلاب الثالث على فرنسا في المنطقة، بعد استيلاء عسكريين، في وقت سابق، على السلطة في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين، ولذلك فإن إعلان البلدين الأخيرين، أن أي تدخل عسكري في النيجر لإعادة بازوم إلى الحكم، سوف يكون بمثابة "إعلان حرب على بوركينا فاسو ومالي"، يعني أنه لم يعد هناك موطئ قدم لفرنسا في منطقة الساحل الإفريقي.

بالفعل، فإن فرنسا معنية بما حدث في النيجر أكثر من غيرها، ففي هذا البلد يتواجد ما بين 500 إلى 600 فرنسي، كما أن هناك حوالي 1500 جندي فرنسي يحاربون في النيجر. وهذا يعني، أن هناك مصالح اقتصادية يدافع عنها هؤلاء الجنود، الذين يقاتلون جنبا إلى جنب مع الأمريكيين الذين يصل عددهم إلى 1100 جندي، أي أقل من الفرنسيين بـ 400 جندي، وهذا ليس مصادفة، ففرنسا تحتاج أكثر من غيرها إلى اليورانيوم النيجري، الذي يوفر لها 35 % من الوقود النووي الذي تستهلكه.

وعلى ما يبدو، فإن روسيا هي الأخرى دخلت على الخط، ولكن لإزاحة النفوذ الغربي من النيجر لمصلحة شركاتها، حيث تعتبر شركة فاغنر هي الذراع العسكري التي سوف يساعد عبدالرحمن تشياني في تنظيم الدفاع عن العاصمة النيجيرية نيامي، في حال تدخلت قوات أجنبية لإسقاطه، مما يعني أننا أمام حرب اقتصادية بين الدول العظمى، ففي خطوة تبين مدى تقدم روسيا، رأينا ارتداء شخصيات بارزة للعلم الروسي في مسقط رأس الرئيس المطاح به محمد بازوم. وبصفة عامة، فإن التظاهرات في العاصمة النيجيرية مزاجها روسي، وهذا واضح من العلم الروسي الذي يرفعه المتظاهرون تأييداً للانقلاب.

وفي الحقيقة، فإن الموقف الغربي من الأحداث في النيجر، يظهر إلى أي مدى ذهبت فيه ازدواجية المعايير، فالحرب في أوكرانيا التي نشهد آثارها الاقتصادية المدمرة في كافة أنحاء العالم، ما هي في واقع الأمر إلا نتيجة لتأييد الغرب للانقلاب الذي حدث في أوكرانيا في 22 فبراير عام 2014، ضد الرئيس المنتخب فيكتور يانوكوفيتش، فلو أنبس وقتها الغرب ببنت شفه تأييداً للرئيس الذي أطيح به، لما حدث كل ما حدث. بالعكس، فقد ساعد الغرب وحضر لذلك الانقلاب، بقيادة فيكتوريا نولاند (Victoria Nuland) التي تمت ترقيتها مؤخراً، لتحل محل الدبلوماسية المخضرمة ويندي شيرمان.